وقد يوجه في المقام بأن التكليف بما فيه الحرج قاض بوقوع كثرة المخالفة، وهو مناف لمقتضى الرأفة الإلهية والعناية الأزلية، فإنه سبحانه أرحم بعباده من أن يفتنهم بما يوقعهم في العذاب غالبا.
ألا ترى أن المولى لو أمر عبده بأمور شاقة لا تتحمل عادة عد ذلك خارجا عن مقتضى اللطف مشوبا بالأغراض، بل لا يفعل ذلك إلا من يريد العقوبة ويطلب إليها وسيلة، كما قد يقع ذلك من الأمراء والسلاطين إذا أرادوا عقوبة أحد من خدامهم فيكلفونه بأمور شاقة لا يتحمل مثله لمثلها فيخالف فيأخذونه بذلك. وأما الذي يريد تربية عبده ويقصد إصلاح حاله فإنما يأمره بأمور سهلة لا يشق عليه ارتكابها تمرينا له على الالتزام بالطاعة إلى أن يسهل عليه ما فوقها، بخلاف التكليف بما فيه الحرج والضيق فإنه من دواعي المخالفة وأسبابها، فيكون مذموما عند العقلاء ويقولون: إن هذا ليس مقتضى اللطف بل اللائق أن يأمره بما لا يشق عليه حتى لا يوجب خذلانه، بل ربما يقبل اعذار العبد في مخالفته بالمشقة، نظرا إلى أن التكليف بالأمور الصعاب التي لا يتحمل غالبا لا يستحسن ممن لا غرض له سوى التربية والتكميل.
واعترض بأن إفضاء التكليف المذكور إلى كثرة المخالفة ليس أمرا منافيا لمقتضى اللطف، إنما هي نقص من جانب المكلف، ولو أوجب ذلك عدم التكليف لزم أن يكون مقتضى اللطف عدم التكليف من رأس، لإيجابه المخالفة ولا فرق فيها بين الكثرة والقلة، مع أنا نرى كثرة المخالفة بحيث تجاوزت عن الحد ولم يوجبها إلا أصل التكليف.
وقد يجاب بأن المقتضي لكثرة المخالفة ليس نفس التكليف لتساوي نسبته إلى الطاعة والمعصية، وكما يرجح جانب المعصية دواعي الشهوة والغضب كذا يرجح جانب الطاعة كثرة الوعد والوعيد والترغيب والتهديد والثواب والعقاب، مضافا إلى ما أنعم عليه من العقل المدرك لحسنها وقبح الخروج عنها لوجوه كثيرة.
فكثرة وقوع المخالفة بسوء اختيار المكلفين بعد إتمام الحجة عليهم ليست مستندة