وحجة الأولين وجوه:
أحدها: أنه لو كان أمرا للآخر لكان الأطفال مكلفين شرعا بالصلاة، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع " (1) وهو خلاف الاجماع بل الضرورة.
ثانيها: أنه لو قال أحد لغيره: " مر عبدك أن يفعل كذا " لم يعد متعديا على عبد الغير، ولو كان الأمر بالأمر أمرا لكان آمرا لعبد غيره، متعديا عليه.
ثالثها: أنه لو أمر أن يأمر غيره بشئ ثم نهى ذلك الغير عن فعل ذلك لم يعد ذلك تناقضا، ولو كان الأمر بالأمر أمرا لكان تناقضا فإنه بمنزلة أن يقول له افعل ولا تفعل.
رابعها: أنه لو كان الأمر بالأمر أمرا لما جاز أن يقول لغيره: " مرني بكذا " - مثلا - لكونه حينئذ أمرا لنفسه، وهو واضح الفساد.
ويرد على الأول: أن ذلك خارج بالإجماع، وليس القائل بكون الأمر بالأمر أمرا إلا مدعيا ظهوره في ذلك، فلا مانع من قيام الدليل على خلافه، وأيضا فليس الأمر المذكور وجوبيا، لعدم وجوب التمرين على الولي بل المراد به الندب.
وحينئذ فلا مانع من كونه أمرا من الشرع للطفل، لإمكان تعلق الأمر الندبي به، فيكون ذلك دليلا على كون عبادته شرعية، ويكون ذلك من ثمرات المسألة.
وعلى الثاني: أن أمر عبد الغير إذا كان بواسطة مولاه لم يعد تعديا، وإنما يكون تعديا لو كان على وجه الظلم لو سلم كون مجرد الأمر كذلك.
وعلى الثالث: أن القائل بكون الأمر بالأمر بالشئ أمرا إنما يقول بكونه ظاهرا في ذلك، فإذا قام الدليل على خلافه كما في المثال المذكور فلا إشكال في عدم إفادته، وأين ذلك من التناقض؟ كيف! ولا يزيد ذلك على دلالة الحقيقة. ولا يتوهم تناقض لو قام هناك دليل على إرادة خلافه. وبمثل ذلك يجاب عن الرابع.