واعترض عليه بعض محققي المتأخرين: بأن فرض حجية المفهوم يقتضي كون الحكم الثابت للمنطوق منتفيا عن غير محل النطق، والمراد بالمنطوق في مفهوم الشرط والوصف: ما تحقق فيه القيد المعتبر شرطا أو وصفا مما جعل متعلقا له. وبغير محل النطق: ما ينفى عنه القيد من ذلك المتعلق، ولا يخفى ان متعلق القيد هنا هو قوله: " كل ما " أي كل حيوان، إذ القيد المعتبر هو كونه مأكول اللحم، فالمنطوق هو مأكول اللحم من كل حيوان، والحكم الثابت له هو جواز الوضوء من سؤره والشرب منه، وغير محل النطق هو ما انتفى عنه الوصف وهو غير المأكول لحمه من كل حيوان، وانتفاء الحكم الثابت للمنطوق يقتضي ثبوت المنع، لأنه اللازم لرفع الجواز.
قال: وإن فرض عروض اشتباه فلنوضح بالنظر إلى مثاله المشهور - أعني قوله: في سائمة الغنم زكاة - فإنه على تقدير ثبوت المفهوم يفيد نفي الوجوب في مطلق المعلوفة بلا إشكال.
والتقريب فيه: أن التعريف في الغنم للعموم وهو متعلق القيد، أعني وصف السوم، فالمنطوق هو السائمة من جميع الغنم، والحكم الثابت له هو وجوب الزكاة، فإذا فرضنا دلالة الوصف على النفي عن غير محله كان مقتضيا هنا لنفي الوجوب عما انتفى عنه الوصف من جميع الغنم فيدل على النفي من كل معلوفة من الغنم.
وأورد عليه بعض أفاضل المحققين: بأن النافي لعموم المفهوم إنما يدعي أن اللازم للقول بحجيته هو اقتضاؤه نفي الحكم الثابت للمنطوق عن غير محل النطق على وجه يرفع الإيجاب الكلي، فلا ينافي الإيجاب الجزئي، وهو صريح كلام العلامة (رحمه الله) حيث قال: وهو لا يدل على أن كل ما لا يؤكل لحمه لا يتوضأ من سؤره ولا يشرب، بل جاز اقتسامه إلى قسمين، فما ذكر من أن فرض حجية المفهوم يقتضي كون الحكم الثابت للمنطوق منتفيا عن غير محل النطق إن أراد به السلب الكلي فهو ممنوع، كيف وهو عين النزاع؟ وإلا فمسلم، ولا يجدي نفعا.
انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.