الحكم في المفهوم، ولا يخفى ما فيه من التعسف، مضافا إلى ما في التفسيرين المذكورين من التكلف من جهات شتى، إذ ليس المنطوق والمفهوم عبارة عن الحكم وإن صدق عليه، وإنما هما من قبيل المدلول أو الدلالة. وكذا الحال في حمل الموضوع عليهما في التفسير الثاني، وكذا جعل المجرور حالا عن الموضوع في الأول مع عدم ذكره وانتفاء القرينة عليه، والتزام الاستخدام في الضمير في الثاني مع عدم قرينة ظاهرة عليه.
فالأولى أن يقال: إن دلالة المفهوم هو دلالة الكلام على ثبوت الحكم المذكور فيه لموضوع غير مذكور، أو نفيه عنه أو ثبوته على تقدير غير مذكور، أو نفيه كذلك ودلالة المنطوق ما كان بخلاف ذلك، والمدلول في الوجهين هو المفهوم أو المنطوق إن جعلناهما من أقسام المدلول كما هو الظاهر، وإن جعلناهما من أقسام الدلالة فالحدان المذكوران ينطبقان عليهما، فدلالة قولنا: " الطهارة شرط في صحة الصلاة أو تشترط الصلاة بالطهارة على انتفاء الصلاة بانتفاء الطهارة " مندرجة في دلالة المنطوق، بخلاف قولنا: " يصح الصلاة بشرط حصول الطهارة أو الصلاة واجبة بشرط البلوغ " فإن دلالتها على انتفاء الصحة بانتفاء الطهارة وانتفاء الوجوب بانتفاء البلوغ من دلالة المفهوم، والأمر فيه ظاهر مما قررنا، فليس العبرة في الفرق بمجرد كون الموضوع في محل النطق وعدمه، ولا كون المدلول في محل النطق وعدمه، ولا كون الدلالة كذلك لما عرفت، وإنما المناط هو ما ذكرناه.
ويرد عليه: أن ذلك أيضا منقوض بكثير من اللوازم مع عدم اندراجها في المفهوم، كدلالة وجوب الشئ على وجوب مقدمته إن عد ذلك من الدلالات اللفظية، كما هو قضية جعلهم دلالة الآيتين من دلالة اللفظ، وكذا دلالة وجود الملزوم على وجود لازمه كدلالة الحكم بطلوع الشمس على وجود النهار.
والحاصل: أن جميع الأحكام اللازمة للحكم المدلول عليه بالمنطوق مما يكون الموضوع فيها مغايرا للموضوع في المنطوق يندرج على ذلك في المفهوم، حتى دلالة الحكم على لازمه إن اندرج ذلك في دلالة الالتزام أو مطلقا، وهم لا يقولون، ويرد ذلك أيضا على الحد المتقدم أيضا.