المؤمن عن التلف أو حفظ بيضة الاسلام قدما عليهما قطعا؟ وكذا لو دار بين حفظ نفس المؤمن وحفظ بيضة الاسلام إلى غير ذلك مما لا يحصى.
ودعوى التخيير بين الأمرين في أمثال تلك المسألة كان الضرورة تشهد بخلافها، وحينئذ فبعد تحتم الإتيان بالأهم إذا تلبس بالآخر يجري فيه ما ذكره من انتفاء الأمر بالنسبة إليه، ولا مناص عما قرره إلا ما ذكرنا.
الثالث: أن ما ذكره من وجوب الفعل في آخر الوقت على سبيل التخيير بينه وبين الأول غير مفهوم المعنى، فإن أراد به أن وجوبه الحاصل له من أول الأمر إنما هو على الوجه المذكور فذلك مما لا ربط له بالمقام. وإن أراد به بقاءه حينئذ على تلك الحال - كما هو صريح كلامه في بيان الوجه فيه - فهو ظاهر الفساد، إذ مع تركه في تلك الأزمنة وتأخيره إلى آخر الوقت يتعين عليه الفعل حينئذ قطعا بمقتضى التوقيت، كيف والواجبات التي نص الأمر على التخيير بينها لو انحصر مقدور المكلف في أحدها تعين عليه ذلك، وسقط عنه البواقي وارتفع التخيير بالنسبة إليه، فكيف يعقل لنا التخيير في المقام مع وضوح امتناع إتيان الفعل في الماضي؟ وكيف يعقل عدم رفع تحتم الفعل حينئذ التخيير فيه بالنسبة إلى الماضي حسب ما ادعاه؟
الرابع: أن قوله " فالتخيير إن لم يكن بينهما ترتيب " إن أراد به عدم الترتيب المأخوذ فيهما بحسب تكليف الأمر وتشريعه فحكمه بالتخيير مطلقا غير متجه، وكأنه يقول حينئذ بعدم العبرة بالأهمية أيضا حسب ما مر. وقد عرفت ضعفه، وأنى ثمرة ما ذكره؟
وإن أراد به الأعم من ذلك وإن كان بعيدا عن سياق كلامه ففيه أيضا ما عرفت من وضوح الثمرة فيما إذا كان الترتيب من جهة الأهمية، فكيف غضوا النظر عنه؟
ثم إن ما ذكره من الوجهين في هذه الصورة قد عرفت ما فيه، وكان لفظ " النهي " من قوله: " فلا يمكن الاستدلال على النهي من أحدهما بالأمر بالآخر " وقع سهوا، وكان عليه أن يذكر مكانه " عدم الأمر ".