حاصل على القول باقتضائه عدم الأمر بضده، لوضوح كون الصحة في العبادة تابعة للأمر.
وأنت بعد ما أحطت خبرا بما قررناه تعرف ضعف ما ذكره (رحمه الله)، فإن المسلم من اقتضاء الأمر بالشئ عدم الأمر بضده هو ما إذا كان الأمران في مرتبة واحدة، فيريد من المكلف الإتيان بهما معا.
وأما لو كان التكليفان مترتبين بأن يريد منه الإتيان بأحدهما على سبيل التعيين: فإن أتى به المكلف فلا تكليف عليه سواه، وإن بنى على العصيان وعلم بإخلائه ذلك الزمان عن ذلك الفعل تعلق به الأمر الآخر، فيكون تكليفه بالثاني على فرض عصيان الأول، حسبما مر بيانه، فلا مانع منه أصلا. وكما يصح ورود تكليفين على هذا الوجه يصح ورود تكاليف شتى على الوجه المفروض بالنسبة إلى زمان واحد، فإن أتى بالأول فلا عصيان، وإن ترك الأول وأتى بالثاني استحق عقوبة لترك الأول، وصح منه الثاني وأثيب عليه، ولا عصيان بالنسبة إلى البواقي.
وإن عصى الأولين وأتى بالثالث استحق عقوبتين وصح منه الثالث، وهكذا. وإن ترك الجميع استحق العقوبة على ترك الجميع، مع عدم اتساع الزمان إلا لواحد منها.
ثم لا يذهب عليك أنه وإن صح حصول التكليف على النحو المذكور إلا أنا لم نجد في أصل الشريعة ورود التكليف على الوجه المذكور، لكن ورود ذلك على المكلف من جهة العوارض والطوارئ مما لا بعد فيه، ويجري ذلك في المضيق والموسع، والمضيقين، وفي الواجب والمندوب. وقد عرفت أن قضية الأصل عند حصول التعارض بينهما هو الحمل على ذلك، إلا أن يقوم دليل من الشرع على تعين ذلك الأهم وسقوط التكليف بغيره رأسا، كما في شهر رمضان حيث يتعين لصومه، ولا يقع فيه صيام غيره، حتى أنه لو بنى على ترك صومه لم يصح فيه صوم آخر، وكالوقف المقرر للصلاة اليومية عند تضيقه وتفطن المكلف به فإن الظاهر من الشرع تعينه حينئذ لليومية، وعدم وقوع صلاة أخرى فيه.