كأنه أراد بذلك الترديد في الشق الأول من الجواب بين الاحتمالين المذكورين من كون الاحتجاج لكيفية الاقتضاء أو لأصل اقتضائه فيتلقى بالقبول بناءا على الأول ويرد بما ذكر في الجواب من خروجه عن محل النزاع على الثاني، ويدل على إرادة ذلك: أن ما تنظر فيه المصنف من الجواب المذكور إنما هو بالنسبة إلى ذلك الشق دون الشق الثاني، فلا كلام له فيه أصلا وإنما إيراده على إطلاق المجيب في إيراده على الشق الأول، بل كان ينبغي له التفصيل الذي ذكره في التحقيق.
فظهر بذلك أن ما فسره بعضهم من كون المراد بالأول هو إرادة الترك وبالثاني هو إرادة الأضداد الخاصة ليس على ما ينبغي، كيف ولو أراد الأول وكان كلامه في إثبات أصل الاقتضاء ورد عليه ما أورده على المجيب، وقد اعترف به المصنف أيضا حيث قال: إن ما ذكر في الجواب إنما يتم على التقدير الثاني فلا وجه لأن يتلقاه بالقبول مطلقا، كيف وما ذكره حينئذ عين كلام المجيب، فكيف يجعل ذلك مقتضى التحقيق بعد ذكره الإيراد المذكور على الجواب، مضافا إلى ما فيه من التعسف لبعد إرادة الاحتمالين المذكورين في كلام المجيب عن ظاهر كلامه، نظرا إلى بعدها عن العبارة وإنما المنساق منه هو ما ذكره المصنف من الاحتمالين فإن ظاهر قوله: * (والتحقيق: أن يردد بين الاحتمالين) * عدم حصول ذلك من المجيب وإنه الذي ينبغي أن يذكر في الجواب، فلا وجه لأن يحمل الاحتمالان المذكوران على ما ذكره في التفسير المذكورة وكذا ما فسره به بعض آخر: من أن المراد بالأول أن يكون الاحتجاج لإثبات كيفية الاقتضاء فيتلقى بالقبول، لأن له محلا صحيحا وهو حمل الضد على العام بمعنى الترك وبالثاني هو إثبات أصل الاقتضاء فيردد النقيض حينئذ بين الترك والضد الخاص.
ويجاب عنه على حسب ما ذكر في كلام المجيب، إذ لا يخفى ما فيه من التعسف، فإن مجرد صحة الحكم على بعض الفروض لا يقتضي قبوله مطلقا بل لا بد من التفصيل فيتلقى بالقبول على أحد الوجهين ويرد على الآخر.