ودفع ذلك: بأن المحال تحقق قصد المحال من العاقل وأما طلب المحال الذي هو حقيقة التكليف دون إرادة الفعل فلا استحالة فيه إلا من الجهة الثانية.
وفيه: أن ما ذكر من حقيقة التكليف وإن كان هو ما يقتضيه التحقيق - حسبما مر ويأتي الكلام فيه - إلا أن ظاهر المشهور بين أصحابنا والمعتزلة هو اتحاد الطلب والإرادة لا تغايرهما، كما اختاره الأشاعرة، فالجواب مبني على ذلك دون ما ذكر.
نعم حمل العبارة على ما ذكر بعيد جدا، فإن الوجهين المذكورين كما ذكرنا قاضيان بامتناع التكليف بالمحال، ومقتضى العبارة كون المفسدة الأولى مغايرة لذلك لا ربط لها بامتناع التكليف بالمحال، فما ذكر في التوجيه تمحل ظاهر لا وجه لحمل العبارة عليه، فالمتجه في دفع الإيراد حمل الوجه الأول على ما قررناه، وذلك الوجه كاستحالة التكليف بالمحال مبني على ثبوت التحسين والتقبيح العقليين والمفسدة المترتبة على كل من الوجهين من قبيل واحد، وكأنه لذا ردد المستدل بينهما مشيرا بذلك إلى صحة تقريره بكل من الوجهين.
قوله: * (إن كان المراد بقولهم) *.
لا يخفى: أن الاحتمالين المذكورين في الجواب إنما هما بالنسبة إلى الضد الخاص ولو كانت دعواهم العينية بالنسبة إلى الضد العام - حسب ما مر من أنه الأنسب بالقول المذكور - يكون المراد بالضد الترك ويكون مفاد القول بأن الأمر بالشئ عين النهي عن ضده أن مفاد طلب إيجاد الشئ عين مفاد طلب ترك تركه، إذ مفاد عدم العدم هو الوجود، فإن كلا من الوجود والعدم رفع للآخر، فطلب الوجود وطلب عدم العدم شئ واحد وإن اختلف المفهوم منهما فهما عنوانان عن أمر واحد حسبما مر تفصيل القول فيه، وحينئذ فلا حاجة في بيانه إلى ذلك الوجه الطويل مع وضوح فساده.
قوله: * (منعنا ما زعموا أنه لازم للخلافين) *.
قد عرفت: أن الدعوى المذكورة ليست بينة ولا مبينة بالدليل، فهي في محل المنع بل من الواضح فسادها لما قرر من الدليل على خلافها.