الوجوب بهما، وإن أتى بالثالث قام الوجوب بالثلاثة، وليس شئ من الأسواط الثلاثة مندوبا، إذ ليس هناك إلا تكليف واحد دائر بين الوجوه الثلاثة فالسوط الأول إنما يجزي لو اقتصر عليه، وأما لو كان في ضمن الاثنين أو الثلاثة كان جزءا من المجزي، فيكون الحكم بإجزائه أولا مراعى بعدم الإتيان بالثاني على حسب ما يقتضيه ظاهر الأمر. وجواز الاقتصار عليه لا يقضي باستحباب الزائد، لما عرفت من كون الأقل إذا بدلا عن الأكثر، وجواز الترك إلى بدل لا ينافي الوجوب.
ولا فرق فيما قررنا بين ما إذا كان الأقل مع الزيادة فعلا واحدا كما إذا قال:
" امسح قدر إصبع أو إصبعين أو ثلاثة " فإن المسح بقدر إصبعين أو ثلاثة يعد مسحا واحدا وإن جاز الاقتصار على بعضه - أعني قدر الإصبع - أو عد أفعالا عديدة، كما في المثال المتقدم.
وقد يتخيل الفرق حيث إن كلا من الزائد والناقص في الصورة الأولى فعل واحد مستقل مغاير للآخر، بخلاف الصورة الثانية، فإن الناقص فعل مستقل على التقديرين، نظرا إلى انفصال البعض عن البعض، وبالتأمل فيما قررنا يظهر فساد ذلك وانتفاء الفرق بين الوجهين، هذا.
وقد ظهر مما ذكرنا ضعف الوجه الأول وكذا الوجه الثاني. فالتحقيق في المقام هو الوجه الثالث.
فالواجب بمقتضى الأمر نفس الفعل الدائر بين الوجهين، وقصد الإتيان بالأكثر لا يقضى بتعيين الإتيان به، بل يجوز العدول عنه ولو بعد الإتيان بمقدار الأقل بل ولو لم يعدل عنه أيضا، إذ بعد الإتيان بالأقل يصدق الإتيان بالواجب فلا مانع من الاقتصار عليه.
نعم إذا قصد الإتيان بالأقل وأتى به اتجه القول بسقوط الواجب وعدم جواز الإتيان بالزائد على وجه المشروعية، وليس ذلك من جهة تعيين الأقل بالنية، بل لصدق الامتثال مع الإتيان به كذلك، فيحصل به أداء الواجب من غير أن يكون مراعى بالإتيان بالزائد.