منها لا يرتبط حجية كثير منها بإفادة الظن بالواقع - كما سيجئ في محله إن شاء الله تعالى - بل وكذا يمتنع عادة حصول قوة مقتدرة على استنباط جميع ما يمكن استنباطه من الأحكام عن الأدلة الموجودة.
وإن أريد بالأحكام: الظاهرية التكليفية فلا وجه لاستبعاد حصول تلك القوة، بل لا شك في حصولها لكل من بلغ درجة الاجتهاد المطلق، فإنه إن رجح شيئا من الأدلة فذاك، وإلا فإما أن يبني على العمل بالاحتياط أو أصالة البراءة أو على التخيير في العمل، وكل منها من الأحكام الشرعية الظاهرية، والتوقف الواقع من العلماء إنما يكون في مقام الاجتهاد أعني المقام الأول، وأما المقام الثاني أعني مقام الفقاهة فلا مجال للتوقف فيه. وكأن هذا هو مقصود المجيب، فالإيراد المذكور بين الاندفاع، وسيجيئك ما يؤيد إرادة المعنى المذكور.
نعم، يرد هناك شئ آخر، وهو أن حمل " العلم " على الملكة والقوة القريبة وإن صحح تعلقه بجميع الأحكام، إلا أنه لا يصح تفسيرا للفقه، إذ ليس الفقه ولا غيره من أسماء العلوم المدونة أسماء لنفس الملكات الحاصلة والحالات الراسخة، بل لا يتبادر منها في الاستعمالات إلا نفس المسائل أو العلم بها على اختلاف الوجهين.
ألا ترى أنه يصدق على كل مسألة مسألة من مسائل العلوم أنه من ذلك العلم وبعض منه، ولا يمكن أن يجعل ذلك من الملكة ولا بعضا منها بالضرورة، وكذا يتصف الملكة بالضعف والشدة والوهن والقوة ولا يتصف بها شئ من أسماء العلوم، وأيضا الملكة حالة بسيطة راسخة في النفس ولا يصدق ذلك على شئ من العلوم.
فالظاهر أن إطلاقها على الملكات من جهة تنزيل القوة القريبة منزلة الفعل، فيطلق عليها لفظ العلم، وليس شئ من أسماء العلوم موضوعا بإزاء الملكة كما عرفت، سواء قلنا بكون إطلاق لفظ العلم على الملكة حقيقة أو مجازا.
ويدل أيضا على فساد حمل " العلم " هاهنا على الملكة أنه لو أريد به ما ذكر