وأنت خبير بأن العمل يتوقف على العلم، فلولا علمه بالحكم لم يصح منه الأعمال المتوقفة على القربة وقصد الامتثال، كيف! وهو عالم بما هو تكليفه في الشريعة، فإن ما أفتى به المفتي هو حكم الله تعالى في حقه، ولذا يصح له الحكم بالمسألة إذا أخذها عن المجتهد في وجه قوي، إذ فتواه دليل شرعي بالنسبة إليه، فهو حاكم بالمسألة عن دليله، وليت شعري! كيف يعقل القول بكونه غير عالم بالحكم مع قطعية المقدمتين المذكورتين المنتجتين لكون ما أفتى به المفتي هو حكم الله في حقه؟ وأقصى ما يراد من العلم بالأحكام القطع بأحكامه تعالى، وهو حاصل له بمقتضى الدليل القاطع المذكور غاية الأمر أن لا يكون قاطعا بحكمه الواقعي الأولي، وهو غير حاصل للمجتهد أيضا في الغالب، كما سيجئ الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
قوله: * (إن كان المراد بالأحكام البعض) * كأنه يريد به حمل اللام على الجنس الصادق على البعض، إذ إرادة العهد الذهني مما لا وجه له في المقام.
قوله: * (لم يطرد) * لما كانت مساواة الحد للمحدود معتبرة في صحة التحديد وكان مرجع التساوي إلى موجبتين كليتين اعتبر في صحة الحد من صدق قضيتين موجبتين كليتين: إحداهما صدق المحدود على جميع مصاديق الحد وحمله عليه كليا، والأخرى عكسه، أعني صدق الحد على جميع مصاديق المحدود وحمله عليه كذلك وإن لم يكن عكسا بالمصطلح. فعبروا عن الأول بالاطراد، وعن الثاني بالانعكاس.
فالمقصود بالاطراد هو اطراد صدق المحدود على مصاديق الحد، فلا يكون شئ من مصاديق الحد إلا ويصدق عليه المحدود، وعكسه وهو اطراد صدق الحد على المحدود يسمونه بالعكس. وإنما اعتبروا الأول أصلا والثاني عكسا دون العكس، إذ الملحوظ في صحة التحديد حال الحد في مساواته للمحدود،