فإن قلت: إذا كان العمل عبادة وكان المقصود من الأمر به تحقق الطاعة والامتثال فكيف يمكن القول بحصول المطلوب من دون تحقق الامتثال؟.
قلت: الامتثال المعتبر في العبادات هو وقوع الفعل على جهة الطاعة، سواء كان الملحوظ خصوص ذلك الأمر الوارد، أو غيره على وجه لا يندرج في البدعة ليتحقق قصد القربة ومع حصول ذلك يحصل المطلوب وإن لم يتحقق معه امتثال خصوص ذلك الأمر نظرا إلى عدم ملاحظته.
وأما في الثالثة فيحتمل القول بعدم صدق الامتثال، لخصوص شئ من تلك الأوامر وإن تحقق الامتثال للأمر في الجملة، ولا منافاة نظرا إلى ملاحظة قصد الطاعة للأمر على سبيل الاجمال دون خصوص كل منها، فيكون أداء للواجب بالنسبة إلى الخصوصيات.
ويحتمل القول بحصول الامتثال أيضا كذلك، نظرا إلى قيام ذلك القصد الاجمالي مقام قصد كل واحد منها.
وتظهر الفائدة فيما لو نذر امتثال بعض تلك الأوامر أو جميعها فيبر نذره بذلك على الأخير دون الأول.
ثم إنه لو كان بعض تلك الأوامر إيجابيا وبعضها ندبيا كان ذلك الفعل متصفا بالوجوب بحسب الواقع، ضرورة غلبة جهة الوجوب على جهة الاستحباب وإن صح إيقاعه على جهة الاستحباب بملاحظة أمره الندبي من دون ملاحظة جهة الوجوب، إذ لا مانع من أدائه من جهة تعلق ذلك الأمر به ولا يقضي ذلك بما يزيد على جهة الاستحباب، إلا أنه حينئذ متصف بالوجوب وإن لم يوقعه المكلف من جهة وجوبه وأتى به من جهة رجحانه الغير البالغ إلى حد الوجوب.
وعلى هذا لو نوى به امتثال الأمرين كان الفعل أيضا متصفا بالوجوب خاصة، لكن يكون إيقاع المكلف له على كل من جهتي الوجوب والاستحباب، يعني من جهة رجحانه المانع من النقيض ورجحانه الغير المانع منه ولا مانع من تحقق الجهتين فيه، إذ لا تضاد بينهما وإنما المضادة بين حصول صفتي الوجوب