الظاهرة يطرد استعمالها في المحاورات وإنما ينتفي الإطراد غالبا في سائر أنواع المجاز مما تكون العلاقة فيها غير المشابهة، وحينئذ فلا يبقى ظن بكون المعنى الذي فرض اطراده في الاستعمال من المعاني الحقيقية.
نعم، لو علمنا انتفاء المشابهة في المقام - كما إذا علمنا معنى حقيقيا للفظ ووجدنا استعماله في غيره مطردا مع انتفاء المشابهة بينه وبين معناه الحقيقي وأمكن ملاحظة غيرها من العلائق بينهما - فإنه حينئذ قد يصح الرجوع إلى الإطراد في إثبات وضعه له، نظرا إلى ما قلناه.
وبالجملة: إذا دار الأمر بين أن يكون حقيقة في ذلك المعنى أو مجازا مرسلا أمكن إثبات الوضع بالإطراد، نظرا إلى أن الغالب في المجاز المرسل عدمه، وأما إذا دار [الأمر] (1) بينهما وبين الاستعارة أو بين الثلاثة لم يصح ذلك حسب ما عرفت.
واعلم أنه يمكن أن يؤخذ الإطراد على وجه آخر فيراد به اطراد استعمال اللفظ فيه في جميع المقامات وسائر الأحوال مع انضمام القرينة وبدونه ودورانه بينهم كذلك في الاستعمالات، من غير فرق في استعماله فيه بحسب تلك المقامات، وحينئذ يتم دلالته على الحقيقة، ويندفع عنه الإيراد المذكور، إذ لا اطراد في شئ من المجازات على الوجه المفروض، إذ مجرد وجود العلاقة غير كاف في التجوز ما لم يوجد هناك قرينة صارفة.
فإن قلت: إنه لا شك في جواز استعمال المجازات مع انتفاء القرائن في حال الاستعمال، بناء على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب - كما هو المعروف - والمفروض في المقام وجود القرينة في الجملة وإلا لم يعلم استعماله فيه قبل العلم بوضعه له، غاية الأمر أن تكون القرينة منفصلة.
قلت: إن ذلك مما يختلف الحال فيه بحسب اختلاف الأقوال، فقد يكون المقام مقام البيان والإفهام فيكون في تأخير القرينة تفويت للمقصود، وحينئذ فلا ريب في المنع من تأخير البيان عن وقت الخطاب. وليس مقصود القائلين