أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلل البعيد (8) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لاية لكل عبد منيب (9) * هذا إخبار من الله عز وجل عن استبعاد الكفرة الملحدين قيام الساعة واستهزائهم بالرسول صلى الله عليه وسلم في إخباره بذلك (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق) أي تفرقت أجسادكم في الأرض وذهبت فيها كل مذهب وتمزقت كل ممزق (إنكم) أي بعد هذا الحال (لفي خلق جديد) أي تعودون أحياء ترزقون بعد ذلك وهو في هذا الاخبار لا يخلو أمره من قسمين إما أن يكون قد تعمد الافتراء على الله تعالى أنه قد أوحى إليه ذلك أو أنه لم يتعمد لكن لبس عليه كما يلبس على المعتوه والمجنون ولهذا قالوا: (أفترى على الله كذبا أم به جنة) قال الله عز وجل رادا عليهم (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) أي ليس الامر كما زعموا ولا كما ذهبوا إليه بل محمد صلى الله عليه وسلم هو الصالح البار الراشد الذي جاء بالحق وهم الكذبة الجهلة الأغبياء " (في العذاب) أي الكفر المفضي بهم إلى عذاب الله تعالى (والضلال البعيد) من الحق في الدنيا ثم قال تعالى منبها لهم على قدرته في خلق السماوات والأرض فقال تعالى: (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلقهم من السماء والأرض) أي حيثما توجهوا وذهبوا فالسماء مظلة عليهم والأرض تحتهم كما قال عز وجل (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون) قال عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض) قال إنك إن نظرت عن يمينك أو عن شمالك أو من بين يديك أو من خلفك رأيت السماوات والأرض.
وقوله تعالى: (إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء) أي لو شئنا لفعلنا بهم ذلك بظلمهم وقدرتنا عليهم ولكن نؤخر ذلك لحلمنا وعفونا ثم قال (إن في ذلك لآية لكل عبد منيب) قال معمر عن قتادة (منيب) تائب وقال سفيان عن قتادة المنيب المقبل إلى الله تعالى أي إن في النظر إلى خلق السماوات والأرض لدلالة لكل عبد فطن لبيب رجاع إلى الله على قدرة الله تعالى على بعث الأجساد ووقوع المعاد لان من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها وهذه الأرضين في انخفاضها وأطوالها وأعراضها إنه لقادر على إعادة الأجسام ونشر الرميم من العظام كما قال تعالى: (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى) وقال تعالى: (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ولقد آتينا داود من فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد (10) أن أعمل سبغت وقدر في السرد واعملوا صلحا إني بما تعملون بصير (11) يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام مما آتاه من الفضل المبين وجمع له بين النبوة والملك المتمكن والجنود ذوي العدد والعدد وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات الصم الشامخات وتقف له الطيور السارحات والغاديات والرائحات وتجاوبه بأنواع اللغات وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يقرأ من الليل فوقف فاستمع لقراءته ثم قال صلى الله عليه وسلم: " لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود " وقال أبو عثمان النهدي ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا وتر أحسن من صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ومعنى قوله تعالى (أوبي) أي سبحي قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد وزعم أبو ميسرة أنه بمعنى سبحي بلسان الحبشة وفي هذا نظر فإن التأويب في اللغة هو الترجيع فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي في كتابه - الجمل - في باب النداء منه