الآية أي من أزواجك لا حرج عليك أن تترك القسم لهن فتقدم من شئت وتؤخر من شئت وتجامع من شئت وتترك من شئت هكذا يروى عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأبي رزين وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم ومع هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لهن ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم إلى أنه لم يكن القسم واجبا عليه عليه صلى الله عليه وسلم واحتجوا بهذه الآية الكريمة وقال البخاري حدثنا حبان بن موسى حدثنا عبد الله هو ابن المبارك أخبرنا عاصم الأحول عن معاذ عن عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن في اليوم المرأة منا بعد أن نزل هذه الآية (ترجى من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) فقلت لها ما كنت تقولين؟ فقالت كنت أقول إن كان ذلك إلي فإني لا أريد يا رسول الله أن أؤثر عليك أحدا فهذا الحديث عنها يدل على أن المراد من ذلك عدم وجود القسم وحديثها الأول يقتضي أن الآية نزلت في الواهبات ومن ههنا اختار ابن جرير أن الآية عاما في الواهبات وفي النساء اللاتي عنده أنه مخير فيهن إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم وهذا الذي اختاره حسن جيد قوي وفيه جمع بين الأحاديث ولهذا قال تعالى (ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن) أي إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم فإن شئت قسمت وإن شئت لم تقسم لا جناح عليك في أي ذلك فعلت ثم مع هذا إن تقسم لهن اختيارا منك لا أنه على سبيل الوجوب فرحن بذلك واستبشرن به وحملن جميلتك في ذلك واعترفن بمنتك عليهن في قسمتك لهن وتسويتك بينهن وإنصافك لهن وعدلك فيهن وقوله تعالى (والله يعلم ما في قلوبكم) أي من الميل إلى بعضهن دون بعض مما لا يمكن دفعه كما قال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول " اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " ورواه أهل السنن الأربعة من حديث حماد بن سلمة وزاد أبو داود بعد قوله " فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " يعني القلب وإسناده صحيح ورجاله كلهم ثقات ولهذا عقب ذلك بقوله تعالى (وكان الله عليما) أي بضمائر السرائر (حليما) أي يحلم ويغفر.
لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزوج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شئ رقيبا (52) ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وابن زيد وابن جرير وغيرهم أن هذه الآية نزلت مجازاة لازواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضا عنهن على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الآية فلما اخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جزائهن أن الله تعالى قصره عليهن وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن ولو أعجبه حسنهن إلا الإماء والسراري فلا حرج عليه فيهن ثم إنه تعالى رفع عنه الحرج في ذلك ونسخ حكم هذه الآية وأباح له التزوج ولكن لم يقع منه بعد ذلك تزوج لتكون المنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن قال الإمام أحمد حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء ورواه أيضا من حديث ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة ورواه الترمذي والنسائي في سننيهما وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة حدثني عمر بن أبي بكر حدثني المغيرة بن عبد الرحمن الخزاعي عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة أنها قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم وذلك قول الله تعالى (ترجي من تشاء منهن) الآية فجعلت هذه ناسخة للتي بعدها في التلاوة كآيتي عدة الوفاة في البقرة الأولى ناسخة للتي بعدها والله أعلم وقال آخرون بل معنى الآية (لا يحل لك النساء من بعد) أي من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك