وينهون عن المنكر موحدين مؤمنين مخلصين مصدقين لما جاءت به رسلي ألهمهم التسبيح والتحميد والثناء والتكبير والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم يصلون لي قياما وقعودا ويقاتلون في سبيل الله صفوفا وزحوفا ويخرجون من ديارهم ابتغاء مرضاتي ألوفا يظهرون الوجوه والأطراف ويشدون الثياب في الانصاف قربانهم دماؤهم وأنا جيلهم في صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار وأجعل في أهل بيته وذريته السابقين والصديقين والشهداء والصالحين أمته من بعده يهدون بالحق وبه يعدلون وأعز من نصرهم وأيد من دعا لهم وأجعل دائرة السوء على من خالفهم أو بغى عليهم أو أراد أن ينتزع شيئا مما في أيديهم أجعلهم ورثة لنبيهم والداعية إلى ربهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوفون بعهدهم أختم بهم الخير الذي بدأته بأولهم ذلك فضلي أؤتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم هكذا رواه ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه اليماني رحمه الله ثم قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله القرشي عن شيبان النحوي أخبرني قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) وقد كان أمر عليا ومعاذا رضي الله عنهما أن يسيرا إلى اليمن فقال انطلقا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا إنه قد أنزل علي (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) " ورواه الطبراني عن محمد بن نصر بن حميد البزار البغدادي عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي بإسناده مثله وقال في آخره " فإنه قد أنزل علي يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا على أمتك ومبشرا بالجنة ونذيرا من النار وداعيا إلى شهادة أن لا إله إلا الله بإذنه وسراجا منيرا بالقرآن " فقوله تعالى: (شاهدا) أي لله بالوحدانية وأنه لا إله غيره وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة وجئنا بك على هؤلاء شهيدا كقوله: (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) وقوله عز وجل (ومبشرا ونذيرا) أي بشيرا للمؤمنين بجزيل الثواب ونذيرا للكافرين من وبيل العقاب وقوله جلت عظمته (وداعيا إلى الله بإذنه) أي داعيا للخلق إلى عبادة ربهم عن أمره لك بذلك (وسراجا منيرا) أي وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق كالشمس في إشراقها وإضاءتها لا يجحدها إلا معاند. وقوله جل وعلا (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم) أي لا تطعهم وتسمع منهم في الذي يقولونه (ودع أذاهم) أي اصفح وتجاوز عنهم وكل أمرهم إلى الله تعالى فإن فيه كفاية لهم ولهذا قال جل جلاله (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا).
يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا (49) هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة منها إطلاق النكاح على العقد وحده وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها وقد اختلفوا في النكاح هل هو حقيقة في العقد وحده أو في الوطئ أو فيهما؟ على ثلاثة أقوال واستعمال القرآن إنما هو في العقد والوطئ بعده إلا في هذه الآية فإنه استعمل في العقد وحده لقوله تبارك وتعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) وفيها دلالة لإباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها وقوله تعالى (المؤمنات) خرج مخرج الغالب إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق وقد استدل ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد ابن المسيب والحسن البصري وعلي بن الحسين زبن العابدين وجماعة من السلف بهذه الآية على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح لان الله تعالى قال (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) فعقب النكاح بالطلاق فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله وهذا مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من السلف والخلف رحمهم الله تعالى وذهب مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى إلى صحة الطلاق قبل النكاح فيما إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فعندهما متى تزوجها طلقت منه واختلاف فيما إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فقال مالك: لا تطلق حتى يعين المرأة وقال أبو