موتها وربت أي ارتفعت لما سكن فيها الثرى ثم أنبتت ما فيها من الألوان والفنون من ثمار وزروع وأشتات النباتات في اختلاف ألوانها وطعومها وروائحها وأشكالها ومنافعها ولهذا قال تعالى " وأنبتت من كل زوج بهيج " أي حسن المنظر طيب الريح. وقوله " ذلك بأن الله هو الحق " أي الخالق المدبر الفعال بما يشاء " وأنه يحيي الموتى " أي كما أحيا الأرض الميتة وأنبت منها هذه الأنواع " إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير " " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " " وأن الساعة آتية لا ريب فيها " أي كائنة لا شك فيها ولا مرية " وأن الله يبعث من في القبور " أي يعيدهم بعد ما صاروا في قبورهم رمما ويوجدهم بعد العدم كما قال تعالى " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم؟ قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " والآيات في هذا كثيرة. وقال الإمام أحمد حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة قال أنبأنا يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدي عن عمه أبي رزين العقيلي واسمه لقيط بن عامر أنة قال يا رسول الله أكلنا يرى ربه عز وجل يوم القيامة وما آية ذلك في خلقه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أليس كلكم ينظر إلى القمر مخليا به؟ " قلنا بلى قال " فالله أعظم " قال قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه؟ قال " أما مررت بوادي أهلك ممحلا؟ " قال بلى قال " ثم مررت به يهتز خضرا " قال بلى قال " فكذلك يحيي الله الموتى وذلك آيته في خلقه " ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث حماد بن سلمة به ثم رواه الإمام أحمد أيضا حدثنا علي بن إسحاق أنبأنا ابن المبارك أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سليمان بن موسى عن أبي رزين العقيلي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟
قال " أمررت بأرض من أرض قومك مجدبة ثم مررت بها مخصبة؟ " قال نعم قال " كذلك النشور " والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عيسى بن مرحوم حدثنا بكير بن السميط عن قتادة عن أبي الحجاج عن معاذ بن جبل قال: من علم أن الله هو الحق المبين وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور دخل الجنة.
ومن الناس من يجدل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتب منير (8) ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيمة عذاب الحريق (9) ذلك بما قدمت يداه وأن لله ليس بظلام للعبيد (10) لما ذكر تعالى حال الضلال الجهال المقلدين في قوله " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ويتبع كل شيطان مريد " ذكر في هذه الدعاة إلى الضلالة من رؤوس الكفر والبدع فقال " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " أي بلا عقل صحيح، ولا نقل صريح، بل بمجرد الرأي والهوى، وقوله " ثاني عطفه " قال ابن عباس وغيره مستكبر عن الحق إذا دعى إليه، وقال مجاهد وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم " ثاني عطفه " أي لاوي عطفه وهي رقبته يعني يعرض عما يدعى إليه من الحق ويثني رقبته استكبارا كقوله تعالى " وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه " الآية وقال تعالى " وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا " وقال تعالى " وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون " وقال لقمان لابنه " ولا تصعر خدك للناس " أي تميله عنهم استكبارا عليهم، وقال تعالى " وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا " الآية. وقوله " ليضل عن سبيل الله " قال بعضهم هذه " لام العاقبة " لأنه قد لا يقصد ذلك، ويحتمل أن تكون " لام التعليل ". ثم إما أن يكون المراد بها المعاندون أو يكون المراد بها أن هذا الفاعل لهذا إنما جبلناه على هذا الخلق الدنئ لنجعله ممن يضل عن سبيل الله. ثم قال تعالى " له في الدنيا خزي " وهو الإهانة والذل كما أنه لما استكبر عن آيات الله لقاه الله المذلة في الدنيا وعاقبه فيها قبل الآخرة لأنها أكبر همه ومبلغ علمه " ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت