يقول تعالى " قل " يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم المدعين أنهم على الحق وأنكم على الباطل " من كان في الضلالة " أي منا ومنكم " فليمدد له الرحمن مدا " أي فأمهله الرحمن فيما هو فيه حتى يلقى ربه وينقضي أجله " إما العذاب " يصيبه " وإما الساعة " بغتة تأتيه " فسيعلمون " حينئذ " من هو شر مكانا وأضعف جندا " في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندي قال مجاهد في قوله " فليمدد له الرحمن مدا " فليدعه الله في طغيانه هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير رحمه الله وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله " يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " أي ادعوا بالموت على المبطل منا أو منكم إن كنتم تدعون أنكم على الحق فإنه لا يضركم الدعاء فنكلوا عن ذلك وقد تقدم تقدير ذلك في سورة البقرة مبسوطا ولله الحمد وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة آل عمران حين صمموا على الكفر واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله وقد ذكر الله حججه وبراهينه على عبودية عيسى وأنه مخلوق كآدم قال تعالى بعد ذلك " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين " فنكلوا أيضا عن ذلك.
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا (76) لما ذكر تعالى إمداد من هو في الضلالة فيما هو فيه وزيادته على ما هو عليه أخبر بزيادة المهتدين هدى كما قال تعالى " وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا " الآيتين. وقوله: " والباقيات الصالحات " قد تقدم تفسيرها والكلام عليها وإيراد الأحاديث المتعلقة بها في سورة الكهف " خير عند ربك ثوابا " أي جزاء " وخير مردا " أي عاقبة ومردا على صاحبها، وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأخذ عودا يابسا فحط ورقه ثم قال: " إن قول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله تحط الخطايا كما تحط ورق هذه الشجرة الريح خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن هن الباقيات الصالحات وهن من كنوز الجنة " قال أبو سلمة فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث قال لأهللن الله ولأكبرن الله ولا سبحن الله حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون وهذا ظاهره أنه مرسل ولكن قد يكون من رواية أبي سلمة عن أبي الدرداء والله أعلم، وهكذا وقع في سنن ابن ماجة من حديث أبي معاوية عن عمر بن راشد عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي الدرداء فذكر نحوه.
أفرأيت الذي كفر بآيتنا وقال لأوتين مالا وولدا (77) أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا (78) كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا (79) ونرثه ما يقول ويأتينا فردا (80) وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن خباب بن الأرت قال كنت رجلا قينا وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث قال فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيتك فأنزل الله " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا - إلى قوله - ويأتينا فردا " أخرجه صاحبا الصحيح وغيرهما من غير وجه عن الأعمش به وفي لفظ البخاري كنت قينا بمكة فعملت للعاص بن وائل سيفا فجئت أتقاضاه فذكر الحديث، وقال " أم اتخذ عند الرحمن عهدا " قال موثقا.
وقال عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: قال خباب بن الأرت كنت قينا