شيطانا مريدا " وقوله " إن الشيطان كان للرحمن عصيا " أي مخالفا مستكبرا عن طاعة ربه فطرده وأبعده فلا تتبعه تصر مثله " يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن " أي على شركك وعصيانك لما آمرك به " فتكون للشيطان وليا " يعني فلا يكون لك مولى ولا ناصرا ولا مغيثا إلا إبليس وليس إليه ولا إلى غيره من الامر شئ بل اتباعك له موجب لاحاطة العذاب بك كما قال تعالى " تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم ".
قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا (46) قال سلم عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا (47) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا (48) يقول تعالى مخبرا عن جواب أبي إبراهيم لولده إبراهيم فيما دعاه إليه أنه قال " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم " إن كنت لا تريد عبادتها ولا ترضاها فانته عن سبها وشتمها وعيبها فإنك إن لم تنته عن ذلك اقتصصت منك وشتمتك وسببتك وهو قوله " لأرجمنك " قاله ابن عباس والسدي وابن جريج والضحاك وغيرهم وقوله " واهجرني مليا " قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن إسحاق يعني دهرا وقال الحسن البصري زمانا طويلا وقال السدي " واهجرني مليا " قال أبدا. وقال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس " واهجرني مليا " قال سويا سالما قبل أن تصيبك مني عقوبة وكذا قال الضحاك وقتادة وعطية الجدلي ومالك وغيرهم واختاره ابن جرير فعندها قال إبراهيم لأبيه " سلام عليك " كما قال تعالى في صفة المؤمنين " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " وقال تعالى " وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين " ومعنى قول إبراهيم لأبيه " سلام عليك " يعني أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى وذلك لحرمة الأبوة " سأستغفر لك ربي " ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك " إنه كان بي حفيا " قال ابن عباس وغيره لطيفا أي في أن هداني لعبادته والاخلاص له وقال قتادة ومجاهد وغيرهما إنه كان بي حفيا قال عوده الإجابة. وقال السدي الحفي الذي يهتم بأمره وقد استغفر إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأبيه مدة طويلة وبعد أن هاجر إلى الشام وبنى المسجد الحرام وبعد أن ولد له إسماعيل وإسحاق عليهما السلام في قوله " ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب " وقد استغفر المسلمون لقراباتهم وأهليهم من المشركين في ابتداء الاسلام وذلك اقتداء بإبراهيم الخليل في ذلك حتى أنزل الله تعالى " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله - إلى قوله - إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شئ " الآية يعني إلا في هذا القول فلا تتأسوا به ثم بين تعالى أن إبراهيم أقلع عن ذلك ورجع عنه فقال تعالى " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين - إلى قوله - وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لاواه حليم " وقوله " وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربي " أي أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله " وأدعوا ربي " أي وأعبد ربي وحده لا شريك له " عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " وعسى هذه موجبة لا محالة فإنه عليه السلام سيد الأنبياء بعد محمد صلى الله عليه سلم.
فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا (49) ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا (50) يقول تعالى فلما اعتزل الخليل أباه وقومه في الله أبدله الله من هو خير منهم ووهب له إسحاق ويعقوب يعني ابنه