وتصدقوا، ثم إني أكرمكم يا ملائكتي بمجرد ما أتيتم به من العبودية وأنتم تعظموني بمجرد ما فعلت من الإحسان، فأنتم صبرتم على أحد الأمرين؛ أقاموا الصلاة أتوا بالعبودية وآتوا الزكاة أتوا بالإحسان، فأنتم صبرتم على أحد الأمرين وهم صبروا على الأمرين، فتتعجب الملائكة منهم وينصبون إليهم النظارة، فلهذا قال: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم) * أفلا يكون هذا الدين قيما وثالثها: أن الدين كالنفس فحياة الدين بالمعرفة ثم النفس العالمة بلا قدرة كالزمن العاجز، والقادرة بلا علم مجنونة فإذا اجتمع العلم والقدرة كانت النفس كاملة فكذا الصلاة للذين كالعلم والزكاة كالقدرة، فإذا اجتمعتا سمي الدين قيمة ورابعها:
وهو فائدة الترتيب أن الحكم تعالى أمر رسوله أن يدعوهم إلى أسهل شيء، وهو القول والاعتقاد فقال: * (مخلصين) * ثم لما أجابوه زاده، فسألهم الصلاة التي بعد أدائها تبقى النفس سالمة كما كانت، ثم لما أجابوه وأراد منهم الصدقة وعلم أنها تشق عليهم قال: " لا زكاة في مال يحول عليه الحول " ثم لما ذكر الكل قال: * (وذلك دين القيمة) *.
المسألة الثالثة: احتج من قال: الإيمان عبادة عن مجموع القول والاعتقاد والعمل بهذه الآية، فقال: مجموع القول والفعل والعمل هو الدين والدين هو الإسلام والإسلام هو الإيمان فاذن مجموع القول والفعل والعمل هو الإيمان، لأنه تعالى ذكر في هذه الآية مجموع الثلاثة. ثم قال: * (وذلك دين القيمة) * أي وذلك المذكور هو دين القيمة وإنما قلنا: إن الدين هو الإسلام لقوله تعالى: * (إن الدين عند الله الإسلام) * وإنما قلنا: إن الإسلام هو الإيمان لوجهين الأول: أن الإيمان لو كان غير الإسلام لما كان مقبولا عند الله تعالى لقوله تعالى: * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) * لكن الإيمان بالإجماع مقبول عند الله، فهو إذا عين الإسلام والثاني: قوله تعالى: * (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غيرت بيت من المسلمين) * فاستثناء المسلم من المؤمن، يدل على أن الإسلام يصدق عليه، وإذا ثبتت هذه المقدمات، ظهر أن مجموع هذه الثلاثة أعني القول والفعل والعمل هو الإيمان، وحينئذ يبطل قول من قال: الإيمان اسم لمجرد المعرفة، أو المجرد الإقرار أولهما معا والجواب: لم لا يجوز أن تكون الإشارة بقوله: * (وذلك) * إلى الإخلاص فقط؟ والدليل عليه أنا على هذا التقدير لا نحتاج إلى الإضمار أولى، وأنتم تحتاجون إلى الإضمار، فتقولون: المراد وذلك المذكور، ولا شك أن عدم الإضمار أولى، سلمنا أن قوله: * (وذلك) * إشارة إلى مجموع ما تقدم لكنه يدل على أن ذلك المجموع هو الدين القيم، فلم قلتم: إن ذلك المجموع هو الدين، وذلك لأن الدين غير، والدين القيم، فالدين هو الدين الكامل المستقبل بنفسه، وذلك إنما يكون إذا كان الدين حاصلا، وكانت آثاره ونتائجه معه حاصلة أيضا، وهي الصلاة والزكاة، وإذا لم يوجد هذا المجموع، لم يكن الدين القيم حاصلا، لكن لم قلتم: إن أصل الدين لا يكون حاصلا والنزاع ما وقع إلا فيه؟ والله أعلم.