المسألة الثانية: هذه الآية فيها أحكام تتعلق بالشرع أحدها: أنه تعالى فسر قوله: * (الذين كفروا) * بأهل الكتاب وبالمشركين، فهذا يقتضي كون الكل واحدا في الكفر، فمن ذلك قال العلماء: الكفر كله ملة واحدة، فالمشرك يرث اليهودي وبالعكس والثاني: أن العطف أوجب المغايرة، فلذلك نقول: الذمي ليس بمشرك، وقال عليه السلام: " غيرنا كحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم " فأثبت التفرقة بين الكتابي والمشرك الثالث: نبه بذكر أهل الكتاب أنه لا يجوز الاغترار بأهل العلم إذ قد حدث في أهل القرآن مثل ما حدث في الأمم الماضية.
المسألة الرابعة: قال القفال: الانفكاك هو انفراج الشيء عن الشيء وأصله من الفك وهو الفتح والزوال، ومنه فككت الكتاب إذا أزلت ختمه ففتحته، ومنه فكاك الرهن وهو زوال الإنغلاق الذي كان عليه ألا ترى أن ضد قوله: انفك الرهن، ومنه فكاك الأسير وفكه، فثبت أن انفكاك الشيء عن الشيء هو أن يزيله بعد التحامه به، كالعظم إذا انفك من مفصله، والمعنى أنهم متشبثون بدينهم تشبثا قويا لا يزيلونه إلا عند مجيء البينة، أما البينة فهي الحجة الظاهرة التي بها يتميز الحق من الباطل فهي من البيان أو البينونة لأنها تبين الحق من الباطل، وفي المراد من البينة في هذه الآية أقوال:
الأول: أنها هي الرسول، ثم ذكروا في أنه لم سمي الرسول بالبينة وجوها الأول: أن ذاته كانت بينة على نبوته، وذلك لأنه عليه السلام كان في نهاية الجد في تقرير النبوة والرسالة، ومن كان كذابا متصنعا فإنه لا يتأتى منه ذلك الجد المتناهي، فلم يبق إلا أن يكون صادقا أو معتوها والثاني: معلوم البطلان لأنه كان في غاية كمال العقل، فلم يبق إلا أنه كان صادقا الثاني: أن مجموع الأخلاف الحاصلة فيه كان بالغا إلى حد كمال الإعجاز، والجاحظ قرر هذا المعنى، والغزالي رحمه الله نصره في كتاب المنقذ، فإذا لهذين الوجهين سمي هو في نفسه بأنه بينة الثالث: أن معجزاته عليه الصلاة والسلام كانت في غاية الظهور وكانت أيضا في غاية الكثرة فلاجتماع هذين الأمرين جعل كأنه عليه السلام في نفسه بينة وحجة، ولذلك سماه الله تعالى: * (سراجا منيرا) *. واحتج القائلون بأن المراد من البينة هو الرسول بقوله تعالى بعد هذه الآية: * (رسول من الله) * فهو رفع على البدن من البينة، وقرأ عبد الله: * (رسولا) * حال من البينة قالوا: والألف واللام في قوله: * (البينة) * للتعريف أي هو الذي سبق ذكره في التوراة والإنجيل على لسان موسى وعيسى، أو يقال: إنها للتفخيم أي هو: * (البينة) * التي لا مزيد عليها أو البينة كل البينة لأن التعريف قد يكون للتفخيم وكذا التنكير وقد جمعهما الله ههنا في حق الرسول عليه لسلام فبدأ بالتعريف وهو لفظ البينة ثم ثنى بالتنكير فقال: * (رسول من الله) * أي هو رسول، وأي رسول، ونظيره ما ذكره الله تعالى في الثناء على نفسه فقال: * (ذو العرش المجيد) * ثم قال: * (فعال) * فنكر بعد التعريف.
القول الثاني: أن المراد من * (البينة) * مطلق الرسل وهو قول أبي مسلم قال: المراد من قوله: