المسألة الأولى: اعلم أن السنة عند العرب؛ عبارة عن اثني عشر شهرا من الشهور القمرية، والدليل عليه هذه الآية وأيضا قوله تعالى: * (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) * (يونس: 5) فجعل تقدير القمر بالمنازل علة للسنين والحساب، وذلك إنما يصح إذا كانت السنة معلقة بسير القمر، وأيضا قال تعالى: * (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) * (البقرة: 189) وعند سائر الطوائف: عبارة عن المدة التي تدور الشمس فيها دورة تامة، والسنة القمرية أقل من السنة الشمسية بمقدار معلوم، وبسبب ذلك النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل، فيكون الحج واقعا في الشتاء مرة، وفي الصيف أخرى، وكان يشق الأمر عليهم بهذا السبب، وأيضا إذا حضروا الحج حضروا للتجارة، فربما كان ذلك الوقت غير موافق لحضور التجارات من الأطراف، وكان يخل أسباب تجاراتهم بهذا السبب، فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة على ما هو معلوم في علم الزيجات، واعتبروا السنة الشمسية، وعند ذلك بقي زمان الحج مختصا بوقت واحد معين موافق لمصلحتهم وانتفعوا بتجاراتهم ومصالحهم، فهذا النسئ وإن كان سببا لحصول المصالح الدنيوية، إلا أنه لزم منه تغير حكم الله تعالى، لأنه تعالى لما خص الحج بأشهر معلومة على التعيين، وكان بسبب ذلك النسئ، يقع في سائر الشهور تغير حكم الله وتكليفه. فالحاصل: أنهم لرعاية مصالحهم في الدنيا سعوا في تغيير أحكام الله وإبطال تكليفه، فلهذا المعنى استوجبوا الذم العظيم في هذه الآية.
واعلم أن السنة الشمسية لما كانت زائدة على السنة القمرية جمعوا تلك الزيادة، فإذا بلغ مقدارها إلى شهر جعلوا تلك السنة ثلاثة عشر شهرا، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وقال: إن حكم الله أن تكون السنة اثني عشر شهرا لا أقل ولا أزيد، وتحكمهم على بعض السنين، أنه صار ثلاثة عشر شهرا حكم واقع على خلاف حكم الله تعالى، ويوجب تغيير تكاليف الله تعالى، وكل ذلك على خلاف الدين.
واعلم أن مذهب العرب من الزمان الأول أن تكون السنة قمرية لا شمسية، وهذا حكم تورثوه عن إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام. فأما عند اليهود والنصارى، فليس كذلك. ثم إن بعض العرب تعلم صفة الكبيسة من اليهود والنصارى، فأظهر ذلك في بلاد العرب.
المسألة الثانية: قال أبو علي الفارسي: لا يجوز أن يتعلق قوله في كتاب الله بقوله: * (عدة الشهود) * لأنه يقتضي الفصل بين الصلة والموصول بالخبر الذي هو قوله: * (اثنا عشر شهرا) * وأنه لا يجوز. وأقول في إعراب هذه الآية وجوه: الأول: أن نقول قوله: * (عدة الشهور) * مبتدأ وقوله: