في قوله: * (أن لا تشركوا) * مفسرة بمعنى: أي، وتقدير الآية: أتل ما حرم ربكم عليكم، أي لا تشركوا، أي ذلك التحريم هو قوله: * (لا تشركوا به شيئا) *.
فإن قيل: فقوله: * (وبالوالدين إحسانا) * معطوف على قوله: * (أن لا تشركوا به شيئا) * فوجب أن يكون قوله: * (وبالوالدين إحسانا) * مفسرا لقوله: * (أتل ما حرم ربكم عليكم) * فيلزم أن يكون الإحسان بالوالدين حراما، وهو باطل.
قلنا: لما أوجب الإحسان إليهما، فقد حرم الإساءة إليهما.
المسألة الثانية: أنه تعالى أوجب في هذه الآية أمور خمسة: أولها: قوله: * (أن لا تشركوا به شيئا) *.
واعلم أنه تعالى قد شرح فرق المشركين في هذه السورة على أحسن الوجوه، وذلك لأن طائفة من المشركين يجعلون الأصنام شركاء لله تعالى، وإليهم الإشارة بقوله حكاية عن إبراهيم * (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين) * (الأنعام: 74).
والطائفة الثانية: من المشركين عبدة الكواكب، وهم الذين حكى الله عنهم، أن إبراهيم عليه السلام أبطل قولهم بقوله: * (لا أحب الآفلين) * (الأنعام: 76).
والطائفة الثالثة: الذين حكى الله تعالى عنهم: * (أنهم جعلوا لله شركاء الجن) * وهم القائلون بيزدان وأهرمن.
والطائفة الرابعة: الذين جعلوا لله بنين وبنات، وأقام الدلائل على فساد أقوال هؤلاء الطوائف والفرق، فلما بين بالدليل فساد قول هؤلاء الطوائف. قال ههنا: * (ألا تشركوا به شيئا) *.
النوع الثاني: من الأشياء التي أوجبها ههنا قوله: * (وبالوالدين إحسانا) * وإنما ثنى بهذا التكليف، لأن أعظم أنواع النعم على الإنسان نعمة الله تعالى، ويتلوها نعمة الوالدين، لأن المؤثر الحقيقي في وجود الإنسان هو الله سبحانه وفي الظاهر هو الأبوان، ثم نعمهما على الإنسان عظيمة وهي نعمة التربية والشفقة والحفظ عن الضياع والهلاك في وقت الصغر.
النوع الثالث: قوله: * (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) * فأوجب بعد رعاية حقوق الأبوين رعاية حقوق الأولاد وقوله: * (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) * أي من خوف الفقر وقد صرح بذكر الخوف في قوله: * (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) * والمراد منه النهي عن الوأد، إذ كانوا يدفنون البنات أحياء، بعضهم للغيرة، وبعضهم خوف الفقر، وهو السبب الغالب، فبين تعالى فساد هذه العلة بقوله: * (نحن نرزقكم وإياهم) *، لأنه تعالى إذا كان متكفلا برزق الوالد والولد، فكما وجب على الوالدين تبقية النفس والاتكال في رزقها على الله، فكذلك القول في حال الولد، قال شمر: أملق، لازم ومتعد. يقال: أملق الرجل، فهو مملق، إذا افتقر، فهذا لازم، وأملق