ومنه قوله تعالى: * (قائما بالقسط) * (آل عمران: 18).
وأقول: إن هذه الآية دلت على كون المسلم قائما بحق العبودية وقوله * (قائما بالقسط) * يدل على أن المولى قائم بحق الربوبية في العدل والإحسان فتمت المعاهدة بفضل الله تعالى كما قال: * (أوفوا بعهدي أوف بعهدكم) * (البقرة: 40) وهذا قول الحسن البصري، واحتج عليه بما روي أن عمر بن الخطاب قال يا رسول الله: إن أناسا من أهل الكتاب يحدثوننا بما يعجبنا فلو كتبناه، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: أمتهوكون أنتم يا ابن الخطاب كما تهوكت اليهود، قال الحسن: متحيرون مترددون " أما والذي نفسي بيده لقد أتيتكم بها بيضاء نقية " وفي رواية أخرى قال عند ذلك: " إنكم لم تكلفوا أن تعملوا بما في التوراة والإنجيل وإنما أمرتم أن تؤمنوا بهما وتفوضوا علمهما إلى الله تعالى، وكلفتم أن تؤمنوا بما أنزل علي في هذا الوحي غدوة وعشيا والذي نفس محمد بيده لو أدركني إبراهيم وموسى وعيسى لآمنوا بي واتبعوني " فهذا الخبر يدل على أن الثبات على هذا الدين واجب وعدم التعلق بغيره واجب، فلا جرم مدحهم الله في هذه الآية بذلك فقال: * (من أهل الكتاب أمة قائمة) *.
القول الثالث: * (أمة قائمة) * أي مستقيمة عادلة من قولك: أقمت العود فقام بمعنى استقام، وهذا كالتقرير لقوله * (كنتم خير أمة) *.
الصفة الثانية: قوله تعالى: * (يتلون آيات الله آناء الليل) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: * (يتلون ويؤمنون) * في محل الرفع صفتان لقوله * (أمة) * أي أمة قائمة تالون مؤمنون.
المسألة الثانية: التلاوة القراءة وأصل الكلمة من الاتباع فكأن التلاوة هي اتباع اللفظ اللفظ.
المسألة الثالثة: آيات الله قد يراد بها آيات القرآن، وقد يراد بها أصناف مخلوقاته التي هي دالة على ذاته وصفاته والمراد ههنا الأولى.
المسألة الرابعة: * (آناء الليل) * أصلها في اللغة الأوقات والساعات وواحدها إنا، مثل: معي وأمعاء وإني مثل نحى وإنحاء، مكسور الأول ساكن الثاني، قال القفال رحمه الله، كأن الثاني مأخوذ منه لأنه انتظار الساعات والأوقات، وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أخر المجيء إلى الجمعة " آذيت وآنيت " أي دافعت الأوقات.
الصفة الثالثة: قوله تعالى: * (وهم يسجدون) * وفيه وجوه الأول: يحتمل أن يكون حالا من التلاوة كأنهم يقرؤن القرآن في السجدة مبالغة في الخضوع والخشوع إلا أن القفال رحمه الله روى في " تفسيره " حديثا: أن ذلك غير جائز، وهو قوله عليه السلام: " ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا " الثاني: يحتمل أن يكون كلاما مستقلا والمعنى أنهم يقومون تارة يبتغون الفضل والرحمة