من وجهين الأول: أن نقول لم لا يجوز أن يكون المراد منه أن كل أحد أسلم وقت استخراج الذرية من صلب آدم؟ وإذا كان كذلك كان الكل داخلا فيه والثاني: وهو أنه تعالى قال في آخر الآية * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * فجعل موجب العذاب هو الكفر من حيث إنه كفر لا الكفر من حيث أنه بعد الإيمان، وإذا وقع التعليل بمطلق الكفر دخل كل الكفار فيه سواء كفر بعد الإيمان، أو كان كافرا أصليا والله أعلم.
ثم قال: * (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم) * وفي الآية سؤالات:
السؤال الأول: أنه تعالى ذكر القسمين أولا فقال: * (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) * فقدم البياض على السواد في اللفظ، ثم لما شرع في حكم هذين القسمين قدم حكم السواد، وكان حق الترتيب أن يقدم حكم البياض.
والجواب عنه من وجوه: أحدها: أن الواو للجمع المطلق لا للترتيب وثانيها: أن المقصود من الخلق إيصال الرحمة لا إيصال العذاب قال عليه الصلاة والسلام حاكيا عن رب العزة سبحانه: " خلقتهم ليربحوا علي لا لأربح عليهم " وإذا كان كذلك فهو تعالى ابتدأ بذكر أهل الثواب وهم أهل البياض، لأن تقديم الأشرف على الأخس في الذكر أحسن، ثم ختم بذكرهم أيضا تنبيها على أن إرادة الرحمة أكثر من إرادة الغضب كما قال: " سبقت رحمتي غضبي " وثالثها: أن الفصحاء والشعراء قالوا: يجب أن يكون مطلع الكلام ومقطعه شيئا يسر الطبع ويشرح الصدر ولا شك أن ذكر رحمة الله هو الذي يكون كذلك فلا جرم وقع الابتداء بذكر أهل الثواب والاختتام بذكرهم.
السؤال الثاني: أين جواب (أما)؟.
والجواب: هو محذوف، والتقدير فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم، وإنما حسن الحذف لدلالة الكلام عليه ومثله في التنزيل كثير قال تعالى: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم) * (الرعد: 23، 24) وقال: * (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا) * (البقرة: 127) وقال: * (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا) * (السجدة: 12).
السؤال الثالث: من المراد بهؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم؟.
والجواب: للمفسرين فيه أقوال أحدها: قال أبي بن كعب: الكل آمنوا حال ما استخرجهم من صلب آدم عليه السلام، فكل من كفر في الدنيا، فقد كفر بعد الإيمان، ورواه الواحدي في " البسيط " بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم وثانيها: أن المراد: أكفرتم بعد ما ظهر لكم ما يوجب الإيمان وهو الدلائل التي نصبها الله تعالى على التوحيد والنبوة، والدليل على صحة هذا