فإن قال قائل: لم لا يجوز أن يقال إن كل ذلك بسبب طلسم موضوع هناك بحيث لا يعرفه أحد فإن الأمر في تركيب الطلسمات مشهور.
قلنا: لو كان هذا من باب الطلسمات لكان هذا طلسما مخالفا لسائر الطلسمات فإنه لم يحصل لشيء سوى الكعبة مثل هذا البقاء الطويل في هذه المدة العظيمة، ومثل هذا يكون من المعجزات، فلا يتمكن منها سوى الأنبياء.
الفضيلة السابعة: إن الله تعالى وضعها بواد غير ذي زرع، والحكمة من وجوه أحدها: إنه تعالى قطع بذلك رجاء أهل حرمه وسدنة بيته عمن سواه حتى لا يتوكلوا إلا على الله وثانيها: أنه لا يسكنها أحد من الجبابرة والأكاسرة فإنهم يريدون طيبات الدنيا فإذا لم يجدوها هناك تركوا ذلك الموضع، فالمقصود تنزيه ذلك الموضع عن لوث وجود أهل الدنيا وثالثها: أنه فعل ذلك لئلا يقصدها أحد للتجارة بل يكون ذلك لمحض العبادة والزيارة فقط ورابعها: أظهر الله تعالى بذلك شرف الفقر حيث وضع أشرف البيوت في أقل المواضع نصيبا من الدنيا، فكأنه قال: جعلت الفقراء في الدنيا أهل البلد الأمين، فكذلك أجعلهم في الآخرة أهل المقام الأمين، لهم في الدنيا بيت الأمن وفي الآخرة دار الأمن وخامسها: كأنه قال: لما لم أجعل الكعبة إلا في موضع خال عن جميع نعم الدنيا فكذا لا أجعل كعبة المعرفة إلا في كل قلب خال عن محبة الدنيا، فهذا ما يتعلق بفضائل الكعبة، وعند هذا ظهر أن هذا البيت أول بيت وضع للناس في أنواع الفضائل والمناقب، وإذا ظهر هذا بطل قول اليهود: إن بيت المقدس أشرف من الكعبة والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (للذي ببكة) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا شك أن المراد من * (بكة) * هو مكة ثم اختلفوا فمنهم من قال: بكة ومكة اسمان لمسمى واحد، فإن الباء والميم حرفان متقاربان في المخرج فيقام كل واحد منهما مقام الآخر فيقال: هذه ضربة لازم، وضربة لازب، ويقال: هذا دائم ودائب، ويقال: راتب وراتم، ويقال: سمد رأسه، وسبده، وفي اشتقاق بكة وجهان الأول: أنه من البك الذي هو عبارة عن دفع البعض بعضا، يقال: بكه يبكه بكا إذا دفعه وزحمه، وتباك القوم إذا ازدحموا فلهذا قال سعيد بن جبير: سميت مكة بكة لأنهم يتباكون فيها أي يزدحمون في الطواف، وهو قول محمد بن علي الباقر ومجاهد وقتادة قال بعضهم: رأيت محمد بن علي الباقر يصلي فمرت امرأة بين