ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف " * (كل الطعام) * أي كل المطعومات أو كل أنواع الطعام وأقول: اختلف الناس في أن اللفظ المفرد المحلى بالألف واللام هل يفيد العموم أم لا؟.
ذهب قوم من الفقهاء والأدباء إلى أنه يفيده، واحتجوا عليه بوجوه أحدها: أنه تعالى أدخل لفظ * (كل) * على لفظ الطعام في هذه الآية، ولولا أن لفظ الطعام قائم مقام لفظ المطعومات وإلا لما جاز ذلك وثانيها: أنه استثنى عنه ما حرم إسرائيل على نفسه والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل، فلولا دخول كل الأقسام تحت لفظ الطعام وإلا لم يصح هذا الاستثناء وأكدوا هذا بقوله تعالى: * (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا) * (العصر: 2، 3) وثالثها: أنه تعالى وصف هذا اللفظ المفرد بما يوصف به لفظ الجمع، فقال: * (والنخل باسقات لها طلع نضيد * رزقا للعباد) * (ق: 10، 11) فعلى هذا من ذهب إلى هذا المذهب لا يحتاج إلى الإضمار الذي ذكره صاحب " الكشاف "، أما من قال إن الاسم المفرد المحلى بالألف واللام لا يفيد العموم، وهو الذي نظرناه في أصول الفقه احتاج إلى الإضمار الذي ذكره صاحب " الكشاف ".
المسألة الثانية: الطعام اسم لكل ما يطعم ويؤكل، وزعم بعض أصحاب أبي حنيفة رحمة الله عليه إنه اسم للبر خاصة، وهذه الآية دالة على ضعف هذا الوجه، لأنه استثنى من لفظ الطعام ما حرم إسرائيل على نفسه، والمفسرون اتفقوا على أن ذلك الذي حرمه إسرائيل على نفسه كان شيئا سوى الحنطة، وسوى ما يتخذ منها ومما يؤكد ذلك قوله تعالى في صفة الماء * (ومن لم يطعمه فإنه مني) * (البقرة: 249) وقال تعالى: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) * (المائدة: 5) وأراد الذبائح، وقالت عائشة رضي الله عنها: ما لنا طعام إلا الأسودان، والمراد التمر والماء.
إذا عرفت هذا فنقول: ظاهر هذه الآية يدل على أن جميع المطعومات كان حلا لبني إسرائيل ثم قال القفال: لم يبلغنا أنه كانت الميتة مباحة لهم مع أنها طعام، وكذا القول في الخنزير، ثم قال فيحتمل أن يكون ذلك على الأطعمة التي كان يدعي اليهود في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم أنها كان محرمة على إبراهيم، وعلى هذا التقدير لا تكون الألف واللام في لفظ الطعام للاستغراق، بل للعهد السابق، وعلى هذا التقدير يزول الإشكال ومثله قوله تعالى: * (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير) * (الأنعام: 145) فإنه إنما خرج هذا الكلام على أشياء سألوا عنها فعرفوا أن المحرم منها كذا وكذا دون غيره فكذا في هذه الآية.
المسألة الثالثة: الحل مصدر يقال: حل الشيء حلا كقولك: ذلت الدابة ذلا وعز الرجل