والاحتمال الثاني: أن يكون قوله * (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) * من تتمة كلام اليهود، وفيه تقديم وتأخير، والتقدير: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم، قل إن الهدى هدى الله، وأن الفضل بيد الله، قالوا، والمعنى لا تظهروا إيمانكم بأن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم، وأسروا تصديقكم، بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم، ولا تفشوه إلا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثباتا ودون المشركين لئلا يدعوهم ذلك إلى الإسلام.
أما قوله * (أو يحاجوكم عند ربكم) * فهو عطف على أن يؤتى، والضمير في يحاجوكم لأحد، لأنه في معنى الجمع بمعنى ولا تؤمنوا لغير أتباعكم، إن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند الله بالحجة، وعندي أن هذا التفسير ضعيف، وبيانه من وجوه الأول: إن جد القوم في حفظ أتباعهم عن قبول دين محمد عليه السلام كان أعظم من جدهم في حفظ غير أتباعهم وأشياعهم عنه، فكيف يليق أن يوصي بعضهم بعضا بالإقرار بما يدل على صحة دين محمد صلى الله عليه وسلم عند أتباعهم وأشياعهم، وأن يمتنعوا من ذلك عند الأجانب؟ هذا في غاية البعد الثاني: أن على هذا التقدير يختل النظم ويقع فيه تقديم وتأخير لا يليق بكلام الفصحاء والثالث: إن على هذا التقدير لا بد من الحذف فإن التقدير: قبل إن الهدى هدى الله وإن الفضل بيد الله، ولا بد من حذف * (قل) * في قوله * (قل إن الفضل بيد الله) * الرابع: إنه كيف وقع قوله * (قل إن الهدى هدى الله) * فيما بين جزأي كلام واحد؟ فإن هذا في غاية البعد عن الكلام المستقيم، قال القفال: يحتمل أن يكون قوله * (قل إن الهدى هدى الله) * كلام أمر الله نبيه أن يقوله عند انتهاء الحكاية عن اليهود إلى هذا الموضع لأنه لما حكى عنهم في هذا الموضع قولا باطلا لا جرم أدب رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقابله بقول حق، ثم يعود إلى حكاية تمام كلامهم كما إذا حكى المسلم عن بعض الكفار قولا فيه كفر، فيقول: عند بلوغه إلى تلك الكلمة آمنت بالله، أو يقول لا إله إلا الله، أو يقول تعالى الله ثم يعود إلى تمام الحكاية فيكون قوله تعالى: * (قل إن الهدى هدى الله) * من هذا الباب، ثم أتى بعده بتمام قول اليهود إلى قوله * (أو يحاجوكم عند ربكم) * ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمحاجتهم في هذا وتنبيههم على بطلان قولهم، فقيل له * (قل إن الفضل بيد الله) * إلى آخر الآية.
الإشكال الخامس: في هذه الوجوه: أن الإيمان إذا كان بمعنى التصديق لا يتعدى إلى المصدق بحرف اللام لا يقال صدقت لزيد بل يقال: صدقت زيدا، فكان ينبغي أن يقال: ولا تؤمنوا إلا من تبع دينكم، وعلى هذا التقدير يحتاج إلى حذف اللام في قوله * (لمن تبع دينكم) *