ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) * واعلم أنه تعالى فرع على ذلك الشرط وهو الشراء بعهد الله والأيمان ثمنا قليلا، خمسة أنواع من الجزاء أربعة منها في بيان صيرورتهم محرومين عن الثواب والخامس: في بيان وقوعهم في أشد العذاب، أما المنع من الثواب فاعلم أن الثواب عبارة عن المنفعة الخالصة المقرونة بالتعظيم.
فالأول: وهو قوله * (أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) * إشارة إلى حرمانهم عن منافع الآخرة.
وأما الثلاثة الباقية: وهي قوله * (ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم) * فهو إشارة إلى حرمانهم عن التعظيم والإعزاز.
وأما الخامس: وهو قوله * (ولهم عذاب أليم) * فهو إشارة إلى العقاب، ولما نبهت لهذا الترتيب فلنتكلم في شرح كل واحد من هذه الخمسة:
أما الأول: وهو قوله * (لا خلاق لهم في الآخرة) * فالمعنى لا نصيب لهم في خير الآخرة ونعيمها واعلم أن هذا العموم مشروط بإجماع الأمة بعدم التوبة، فإنه إن تاب عنها سقط الوعيد بالإجماع وعلى مذهبنا مشروط أيضا بعدم العفو فإنه تعالى قال: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 48).
وأما الثاني: وهو قوله * (ولا يكلمهم الله) * ففيه سؤال، وهو أنه تعالى قال: * (فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون) * (الحجر: 92، 93) وقال: * (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) * (الأعراف: 6) فكيف الجمع بين هاتين الآيتين، وبين تلك الآية؟ قال القفال في الجواب: المقصود من كل هذه الكلمات بيان شدة سخط الله عليهم، لأن من منع غيره كلامه في الدنيا، فإنما ذلك بسخط الله عليه وإذا سخط إنسان على آخر، قال له لا أكلمك، وقد يأمر بحجبه عنه ويقول لا أرى وجه فلان، وإذا جرى ذكره لم يذكره بالجميل فثبت أن هذه الكلمات كنايات عن شدة الغضب نعوذ بالله منه. وهذا هو الجواب الصحيح، ومنهم من قال: لا يبعد أن يكون إسماع الله جل جلاله أولياءه كلامه بغير سفير تشريفا عاليا يختص به أولياءه، ولا يكلم هؤلاء الكفرة والفساق، وتكون المحاسبة معهم بكلام الملائكة ومنهم من قال معنى هذه الآية أنه تعالى لا يكلمهم بكلام يسرهم وينفعهم والمعتد هو الجواب الأول.
وأما الثالث: وهو قوله تعالى: * (ولا ينظر إليهم) * فالمراد إنه لا ينظر إليهم بالإحسان، يقال فلان لا ينظر إلى فلان، والمراد به نفي الاعتداد به وترك الإحسان إليه، والسبب لهذا المجاز أن من اعتد بالإنسان التفت إليه وأعاد نظره إليه مرة بعد أخرى، فلهذا السبب صار نظر الله عبارة عن الاعتداد والإحسان، وإن لم يكن ثم نظر، ولا يجوز أن يكون المراد من هذا النظر