مرفوعا بتأويل قوله: لأملأن فيكون معنى الكلام حينئذ: فالحق أن أملا جهنم منك، كما يقول: عزمة صادقة لآتينك، فرفع عزمة بتأويل لآتينك، لان تأويله أن آتيك، كما قال:
ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه فلا بد لقوله: بدا لهم من مرفوع، وهو مضمر في المعنى. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض المكيين والكوفيين بنصب الحق الأول والثاني كليهما، بمعنى: حقا لأملأن جهنم والحق أقول، ثم أدخلت الألف واللام عليه، وهو منصوب، لان دخولهما إذا كان كذلك معنى الكلام وخروجهما منه سواء، كما سواء قولهم: حمدا لله، والحمد لله عندهم إذا نصب. وقد يحتمل أن يكون نصبه على وجه الاغراء بمعنى: ألزموا الحق، واتبعوا الحق، والأول أشبه لان خطاب من الله لإبليس بما هو فاعل به وبتباعه.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، لصحة معنييهما.
وأما الحق الثاني، فلا اختلاف في نصبه بين قراء الأمصار كلهم، بمعنى: وأقول الحق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23106 حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد، في قوله:
فالحق والحق أقول يقول الله: أنا الحق، والحق أقول.
23107 وحدثت عن ابن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد فالحق والحق أقول يقول الله: الحق مني، وأقول الحق حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال:
ثنا أبان بن تغلب، عن طلحة اليامي، عن مجاهد، أنه قرأها فالحق بالرفع والحق أقول نصبا وقال: يقول الله: أنا الحق، والحق أقول.
23108 حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله:
الحق والحق أقول قال: قسم أقسم الله به.
وقوله: لأملأن جهنم منك يقول لإبليس: لأملأن جهنم منك وممن تبعك من بني آدم أجمعين. وقوله: قل ما أسألكم عليه من أجر يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لمشركي قومك، القائلين لك أأنزل عليه الذكر من بيننا: ما أسألكم على هذا