إلى ربه فيما يرغب إليه من الملك، فلم تكن إن شاء الله به رغبة في الدنيا، ولكن إرادة منه أن يعلم منزلته من الله في إجابته فيما رغب إليه فيه، وقبوله توبته، وإجابته دعاءه.
وأما مسألته ربه ملكا لا ينبغي لاحد من بعده، فإنا قد ذكرنا فيما مضى قبل قول من قال: إن معنى ذلك: هب لي ملكا لا أسلبه كما سلبته قبل. وإنما معناه عند هؤلاء: هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي أن يسلبنيه. وقد يتجه ذلك أن يكون بمعنى: لا ينبغي لاحد سواي من أهل زماني، فيكون حجة وعلما لي على نبوتي وأني رسولك إليهم مبعوث، إذ كانت الرسل لا بد لها من أعلام تفارق بها سائر الناس سواهم. ويتجه أيضا لان يكون معناه: وهب لي ملكا تخصني به، لا تعطيه أحدا غيري تشريفا منك لي بذلك، وتكرمة، لتبين منزلتي منك به من منازل من سواي، وليس في وجه من هذه الوجوه مما ظنه الحجاج في معنى ذلك شئ.] القول في تأويل قوله تعالى:
* (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) *.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): واذكر أيضا يا محمد عبدنا أيوب إذ نادى ربه مستغيثا به فيما نزل به من البلاء: يا رب إني مسني الشيطان بنصب فاختلفت القراء في قراءة قوله: بنصب فقرأته عامة قراء الأمصار خلا أبي جعفر القارئ: بنصب بضم النون وسكون الصاد، وقرأ ذلك أبو جعفر بضم النون والصاد كليهما، وقد حكي عنه بفتح النون والصاد والنصب والنصب بمنزلة الحزن والحزن، والعدم والعدم، والرشد والرشد، والصلب والصلب. وكان الفراء يقول: إذا ضم أوله لم يثقل، لأنهم جعلوهما على سمتين: إذا فتحوا أوله ثقلوا، وإذا ضموا أوله خففوا. قال: وأنشدني بعض العرب:
لئن بعثت أم الحميدين مائرا * لقد غنيت في غير بؤس ولا جحد من قولهم: جحد عيشه: إذا ضاق واشتد قال: فلما قال جحد خفف. وقال بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين: النصب من العذاب. وقال: العرب تقول: