أنتم حذرتم ذلك، واتقيتموه بالتوبة من شرككم والايمان به، ولزوم طاعته فيما أوجب عليكم من فرائضه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
22330 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم: وقائع الله فيمن خلا قبلهم من الأمم وما خلفهم من أمر الساعة.
وكان مجاهد يقول في ذلك ما:
22331 حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:
ما بين أيديكم قال: ما مضى من ذنوبهم.
وهذا القول قريب المعنى من القول الذي قلنا، لان معناه: اتقوا عقوبة ما بين أيديكم من ذنوبكم، وما خلفكم مما تعملون من الذنوب ولم تعملوه بعد، فذلك بعد تخويف لهم العقاب على كفرهم.
وقوله: وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين يقول تعالى ذكره: وما تجئ هؤلاء المشركين من قريش آية، يعني حجة من حجج الله، وعلامة من علاماته على حقيقة توحيده، وتصديق رسوله، إلا كانوا عنها معرضين، لا يتفكرون فيها، ولا يتدبرونها، فيعلموا بها ما احتج الله عليهم بها.
فإن قال قائل: وأين جواب قوله: وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم؟
قيل: جوابه وجواب قوله وما تأتيهم من آية من آيات ربهم... قوله: إلا كانوا عنها معرضين لان الاعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفى بالجواب عن قوله: اتقوا ما بين أيديكم وعن قوله: وما تأتيهم من آية بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لان معنى الكلام: وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا، وإذا أتتهم آية أعرضوا.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين) *.
يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله: أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم، فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم، قال الذين أنكروا وحدانية الله، وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله: أنطعم أموالنا وطعامنا من لو يشاء الله أطعمه؟.