فتأويل الكلام إذن: أو لم ير هذا الانسان الذي يقول: من يحيي العظام وهي رميم أنا خلقناه من نطفة فسويناه خلقا سويا فإذا هو خصيم يقول: فإذا هو ذو خصومة لربه، يخاصمه فيما قال له ربه إني فاعل، وذلك إخبار لله إياه أنه محيي خلقه بعد مماتهم، فيقول: من يحيي هذه العظام وهي رميم؟ إنكارا منه لقدرة الله على إحيائها.
وقوله: مبين يقول: يبين لمن سمع خصومته وقيله ذلك أنه مخاصم ربه الذي خلقه. وقوله: وضرب لنا مثلا ونسي خلقه يقول: ومثل لنا شبها بقوله: من يحيي العظام وهي رميم إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد، يقول: فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق ونسي خلقه يقول: ونسي خلقنا إياه كيف خلقناه، وأنه لم يكن إلا نطفة، فجعلناها خلقا سويا ناطقا، يقول: فلم يفكر في خلقناه، فيعلم أن من خلقه من نطفه حتى صار بشرا سويا ناطقا متصرفا، لا يعجز أن يعيد الأموات أحياء، والعظام الرميم بشرا كهيئتهم التي كانوا بها قبل الفناء يقول الله لنبيه محمد (ص): قل لهذا المشرك القائل لك: من يحيي العظام وهي رميم يحييها الذي أنشأها أول مرة يقول: يحييها الذي ابتدع خلقها أول مرة ولم تكن شيئا وهو بكل خلق عليم يقول: وهو بجميع خلقه ذو علم كيف يميت، وكيف يحيي، وكيف يبدئ، وكيف يعيد، لا يخفى عليه شئ من أمر خلقه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون * أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم) *.
يقول تعالى ذكره: قل يحييها الذي أنشأها أول مرة الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا يقول: الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر نارا تحرق الشجر، لا يمتنع عليه فعل ما أراد، ولا يعجز عن إحياء العظام التي قد رمت، وإعادتها بشرا سويا، وخلقا جديدا، كما بدأها أول مرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
22399 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا يقول: الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر أن يبعثه.
قوله: فإذا أنتم منه توقدون يقول: فإذا أنتم من الشجر توقدون النار وقال:
منه والهاء من ذكر الشجر، ولم يقل: منها، والشجر جمع شجرة، لأنه خرج مخرج الثمر والحصى، ولو قيل: منها كان صوابا أيضا، لان العرب تذكر مثل هذا وتؤنثه. وقوله: