وقوله: إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب يقول تعالى ذكره: إن في فعل الله ذلك كالذي وصف لذكرى وموعظة لأهل العقول والحجا يتذكرون به، فيعلمون أن من فعل ذلك فلن يتعذر عليه إحداث ما شاء من الأشياء، وإنشاء ما أراد من الأجسام والاعراض، وإحياء من هلك من خلقه من بعد مماته وإعادته من بعد فنائه، كهيئته قبل فنائه، كالذي فعل بالأرض التي أنزل عليها من بعد موتها الماء، فأنبت بها الزرع المختلف الألوان بقدرته.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين) *.
يقول تعالى ذكره: أفمن فسح الله قلبه لمعرفته، والاقرار بوحدانيته، والاذعان لربوبيته، والخضوع لطاعته فهو على نور من ربه يقول: فهو على بصيرة مما هو عليه ويقين، بتنوير الحق في قلبه، فهو لذلك لأمر الله متبع، وعما نهاه عنه منته فيما يرضيه كمن أقسى الله قلبه، وأخلاه من ذكره، وضيقه عن استماع الحق، واتباع الهدى، والعمل بالصواب؟ وترك ذكر الذي أقسى الله قلبه، وجواب الاستفهام اجتزاء بمعرفة السامعين المراد من الكلام، إذ ذكر أحد الصنفين، وجعل مكان ذكر الصنف الآخر الخبر عنه بقوله:
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23183 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه يعني: كتاب الله، هو المؤمن به يأخذ، وإليه ينتهي.
23184 حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله:
أفمن شرح الله صدره للاسلام قال: وسع صدره للاسلام، والنور: الهدى.
23185 حدثت عن ابن أبي زائدة عن ابن جريج، عن مجاهد أفمن شرح الله صدره للاسلام قال: ليس المنشرح صدره مثل القاسي قلبه.
قوله: فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله يقول تعالى ذكره: فويل للذين جفت قلوبهم ونأت عن ذكر الله وأعرضت، يعني عن القرآن الذي أنزله تعالى ذكره، مذكرا به