وفي قوله: إن أنتم إلا في ضلال مبين وجهان: أحدهما أن يكون من قيل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ: ما أنتم أيها القوم في قيلكم لنا: أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم، إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد مبين لمن تأمله وتدبره، أنه في ضلال وهذا أولى وجهيه بتأويله. والوجه الآخر: أن يكون ذلك من قيل الله للمشركين، فيكون تأويله حينئذ: ما أنتم أيها الكافرون في قيلكم للمؤمنين: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه، إلا في ضلال مبين، عن أن قيلكم ذلك لهم ضلال. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) *.
يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون المكذبون وعيد الله، والبعث بعد الممات، يستعجلون ربهم بالعذاب متى هذا الوعد: أي الوعد بقيام الساعة إن كنتم صادقين أيها القوم، وهذا قولهم لأهل الايمان بالله ورسوله. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون * فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون) *.
يقول تعالى ذكره: ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم، إلا صيحة واحدة تأخذهم، وذلك نفخة الفزع عند قيام الساعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت الآثار. ذكر من قال ذلك، وما فيه من الأثر:
22332 حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي ومحمد بن جعفر، قالا: ثنا عوف بن أبي جميلة عن أبي المغيرة القواس، عن عبد الله بن عمرو، قال: لينفخن في الصور، والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم، حتى إن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان، فما يرسله أحدهما من يده حتى ينفخ في الصور، وحتى إن الرجل ليغدو من بيته فلا يرجع حتى ينفخ في الصور، وهي التي قال الله: ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية... الآية.