أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك قال: للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب.
وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: وللاختلاف بالشقاء والسعادة خلقهم لان الله جل ذكره ذكر صنفين من خلقه: أحدهما أهل اختلاف وباطل، والآخر أهل حق ثم عقب ذلك بقوله: ولذلك خلقهم، فعم بقوله: ولذلك خلقهم صفة الصنفين، فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميسر لما خلق له.
فإن قال قائل: فإن كان تأويل ذلك كما ذكرت، فقد ينبغي أن يكون المختلفون غير ملومين على اختلافهم، إن كان لذلك خلقهم ربهم، وأن يكونوا المتمتعون هم الملومين؟
قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت وإنما معنى الكلام: ولا يزال الناس مختلفين بالباطل من أديانهم ومللهم إلا من رحم ربك فهداه للحق ولعلمه، وعلى علمه النافذ فيهم قبل أن يخلقهم أنه يكون فيهم المؤمن والكافر، والشقي والسعيد خلقهم، فمعنى اللام في قوله: ولذلك خلقهم بمعنى على كقولك للرجل: أكرمتك على برك بي، وأكرمتك لبرك بي.
وأما قوله: وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين لعلمه السابق فيهم أنهم يستوجبون صليها بكفرهم بالله، وخلافهم أمره. وقوله: وتمت كلمة ربك قسم كقول القائل: حلفي لأزورنك، وبدا لي لآتينك ولذلك تلقيت بلام اليمين.
وقوله: من الجنة وهي ما اجتن عن أبصار بني آدم والناس، يعني: وبني آدم.
وقيل: إنهم سموا جنة، لأنهم كانوا على الجنان. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك: وإنما سموا الجنة أنهم كانوا على الجنان، والملائكة كلهم جنة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك، قال: الجنة: الملائكة.
وأما معنى قول أبي مالك هذا: أن إبليس كان من الملائكة، والجن ذريته، وأن الملائكة تسمى عنده الجن، لما قد بينت فيما مضى من كتابنا هذا القول في تأويل قوله تعالى: