ثم نسخ ذلك بقوله: ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام. ذكر من قال ذلك.
12433 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري، قالا: قال في الأنفال: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فنسختها الآية التي تليها: وما لهم ألا يعذبهم الله... إلى قوله: فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فقوتلوا بمكة، وأصابهم فيها الجوع والحصر.
وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال: تأويله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يا محمد وبين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرون عليه، فهم للعذاب مستحقون، كما يقال: ما كنت لأحسن إليك وأنت تسئ إلي، يراد بذلك: لا أحسن إليك إذا أسأت إلي ولو أسأت إلي لم أحسن إليك، ولكن أحسن إليك لأنك لا تسئ إلي وكذلك ذلك. ثم قيل: ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام بمعنى: وما شأنهم وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فيؤمنوا به، وهم يصدون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام.
وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لان القوم أعني مشركي مكة كانوا استعجلوا العذاب، فقالوا: اللهم إن كان ما جاء به محمد هو الحق، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فقال الله لنبيه: ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم وما كنت لأعذبهم لو استغفروا، وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم وهم يصدون عن المسجد الحرام فأعلمه جل ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد اخراجه إياه من بين أظهرهم. ولا وجه لايعادهم العذاب في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون، بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر الدليل الواضح على أن القول في ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول من وجه قوله: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون إلى أنه عني به المؤمنين، وهو في