لا نقول: إن الإنسان كان يعلم كل العلوم من قبل وزالت من ذاكرته، وإن أثر التعليم في هذا العالم هو التذكير فحسب - كما ينقلون ذلك عن أفلاطون - بل نقول: إن مادتها الأصلية قد أخفيت في طينة الآدمي (دققوا ذلك).
إن تعبير " من يخشى " يبين أن نوعا من الإحساس بالمسؤولية، والذي سماه القرآن بالخشية، إذا لم يكن موجودا في الإنسان، فسوف لا يقبل الحقائق، لأن قابلية القابل شرط في حمل ونمو كل بذرة وحبة. وهذا التعبير في الحقيقة شبيه بما نقرؤه في أول سورة البقرة: هدى للمتقين.
ثم تتطرق الآيات إلى التعريف بالله تعالى المنزل للقرآن، لتتضح عظمة القرآن من خلال معرفته، فتقول: تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى (1).
إن هذا التعبير في الحقيقة إشارة إلى ابتداء وانتهاء نزول القرآن، انتهاؤه إلى الأرض وابتداؤه من السماوات، وإذا لم تصف هنا كلمة " وما بينهما " - كما في بعض الآيات الأخرى من القرآن - فربما كان لهذا السبب، وهو أن الهدف كان بيان الابتداء والانتهاء.
على كل حال، فإن من المعلوم أن الله الذي عمت قدرته وتدبيره وحكمته كل أرجاء الأرض السماء، إذا أنزل كتابا، فكم سيكون غني المحتوى، وجني الثمر؟!
ثم تستمر في تعريف الله المنزل للقرآن فتقول: الرحمن على العرش استوى وكما قلنا سابقا في تفسير الآية: ثم استوى على العرش (2)، فإن كلمة عرش تقال للشئ الذي له سقف، وأحيانا تطلق على نفس السقف، أو على الأسرة المرتفعة القوائم كأسرة وكراسي السلاطين، وفي قصة سليمان نقرأ: