يشاؤون، ويقلبونهم كيف يشتهون!
ومن البديهي - كما قلنا ذلك مرارا - أن تسلط الشياطين على بني آدم ليس تسلطا إجباريا، بل إن الإنسان الذي يسمح للشياطين بالنفوذ إلى قلبه وروحه، هو الذي يطوق رقبته بقيد العبودية لهم، ويقبل بطاعتهم، كما يقول القرآن في الآية (100) من سورة النحل: إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون.
ثم يوجه القرآن المجيد الخطاب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا وسنسجل كل شئ لذلك اليوم الذي تشكل فيه محكمة العدل الإلهي.
وهناك احتمال آخر في تفسير الآية، وهو أن المراد من عد أيام عمر - بل أنفاس - هؤلاء، أن مدة بقائهم قصيرة وداخلة تحت إمكان الحساب والعد، لأن حساب الشئ وعده كناية عادة عن قلته وقصره.
ونقرأ في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير إنما نعد لهم عدا أنه سأل أحد أصحابه، قال: " ما هو عندك؟ " قال: عدد الأيام، قال: " إن الآباء والأمهات يحصون ذلك، ولكنه عدد الأنفاس " (1).
إن تعبير الإمام هذا يمكن أن يكون إشارة إلى التفسير الأول، أو إلى التفسير الثاني، أو إلى كلا التفسيرين.
وعلى كل حال، فإن دقة محتوى هذه الآية يهز الإنسان، لأنها تثبيت أن كل شئ - حتى أنفاسنا - خاضعة للحساب والعد، ويجب أن نجيب يوما على كل هذه الأشياء والأعمال.
ثم تبين المسير النهائي للمتقين والمجرمين في عبارات موجزة، فتقول: إن كل هذه الأعمال جمعناها وادخرناها له: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا.