أما الذين يعتقدون بأن الإرث هنا هو الإرث المعنوي، فقد تمسكوا بقرائن في نفس الآية، أو خارجة عنها، مثل:
1 - يبدو من البعيد أن نبيا كبيرا كزكريا، وفي ذلك السن الكبير، يمكن أن تشغل فكره مسألة ميراث ثروته، خاصة وأنه يضيف بعد جملة يرثني ويرث من آل يعقوب جملة واجعله رب رضيا، ولا شك أن هذه الجملة إشارة إلى الصفات المعنوية لذلك الوارث.
2 - إن الله سبحانه لما بشره بولادة يحيى في الآيات القادمة، فإنه ذكر صفات ومقامات معنوية عظيمة، ومن جملتها مقام النبوة.
3 - إن الآية (38) من سورة آل عمران بينت السبب الذي دفع زكريا إلى هذا الطلب والدعاء، وأنه فكر في ذلك عندما شاهد مقامات مريم حيث كان يأتيها رزقها من طعام الجنة في محرابها بلطف الله: هنا لك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طبية إنك سميع الدعاء.
4 - ورد في بعض الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يؤيد أن الإرث هنا يراد به الإرث المعنوي، وخلاصة الحديث أن الإمام الصادق (عليه السلام) روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن عيسى بن مريم مر على قبر كان صاحبه يعذب، ومر عليه في العام الثاني فرأى صاحب ذلك القبر لا يعذب، فسأله ربه عن ذلك، فأوحى الله إليه أنه لصاحب هذا القبر ولد صالح قد أصلح طريقا وآوى يتيما، فغفر الله له بعمل ولده. ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " ميراث الله من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده "، ثم تلا الإمام الصادق عند نقله هذا الحديث الآية المرتبطة بزكريا: هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا (1).
فإن قيل: إن ظاهر كلمة الإرث هو إرث الأموال.
فيقال في الجواب: إن هذا الظهور ليس قطعيا، لأن هذه الكلمة قد استعملت