أي بعد هذه الحادثة استفاد من الوسائل المهمة التي كانت تحت تصرفه ومضى في سفره حتى وصل إلى موضع بين جبلين: حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا.
والآية إشارة إلى أنه وصل إلى منطقة جبلية، وهناك وجد أناسا (غير المجموعتين اللتين عثر عليهما في الشرق والغرب) كانوا على مستوى دان من المدنية، لأن الكلام أحد أوضح علائم التمدن لدى البشر.
البعض احتمل أن جملة لا يكادون يفقهون قولا لا تعني أنهم لم يكونوا يعرفون اللغات، بل كانوا لا يفهمون محتوى الكلام، أي كانوا متخلفين فكريا.
أما عن مكان الجبل والجوانب التأريخية والجغرافية لهذه الحادثة، وسنذكر في نهاية البحث التفسيري، حديثا مفصلا عن ذلك.
في هذه الأثناء اغتنم هؤلاء القوم مجئ ذي القرنين، لأنهم كانوا في عذاب شديد من قبل أعدائهم يأجوج ومأجوج، لذا فقد طلبوا العون منه قائلين: قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا.
قد يكون كلامهم هذا تم عن طريق تبادل العلامات والإشارات، لأنهم لا يفهمون لغة ذي القرنين، أو أنهم تحدثوا معه بعبارات ناقصة لا يمكن الاعتداد بها.
ويحتمل أن يكون التفاهم بينهم تم عن طريق المترجمين، أو بأسلوب الإلهام الإلهي، مثل تحدث بعض الطيور مع سليمان (عليه السلام).
في كل الأحوال، يمكن أن نستفيد من الآية الشريفة أن تلك المجموعة من الناس كانت ذات وضع جيد من حيث الإمكانات الاقتصادية، إلا أنهم كانوا ضعفاء في المجال الصناعي والفكري والتخطيطي، لذا فقد تقبلوا بتكاليف بناء هذا السد المهم، بشرط أن يتكفل ذو القرنين ببنائه وهندسته.