هو الباعث عل يتركهم (عليهم السلام) له ونهيهم الناس عنه مع تجويزهم إياه حتى لا يخرج هذا الصوم عن حده اللاحق به في مراتب الاستحباب إلى حد آخر من الرغبة و الاهتمام بحيث لا يليق به بحسب وغاية المصالح فمثل هذا الصوم المستحب لغير المرغوب فيه الذي ورد فيه النهي من الشارع بحسب المصلحة ويترتب الثواب على تركه في كثير من الوجوه يسمى بالمكروه ويؤيد ما ذكرناه ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه عن عبد الله بن المغيرة عن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) وحده وأوصى علي (عليه السلام) إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) جميعا وكان الحسن (عليه السلام) أمامه فدخل رجل يوم عرفة على الحسن (عليه السلام) وهو يتعدى والحسين (عليه السلام) صائم ثم جاء بعده ما قبض الحسن (عليهم السلام) فدخل على الحسين (عليه السلام) يوم عرفة وهو يتغدى وعلي بن الحسين (عليه السلام) صائم فقال الرجل إني دخلت على الحسن (عليه السلام) ويتغدى وأنت صائم ثم دخلت عليك وأنت مفطر وعلي بن الحسين (عليه السلام) صائم فقال إن الحسين (عليه السلام) كان إماما فأفطر لئلا يتخذ صومه سنة ويتأسى به الناس فلما انقبض كنت أنا الامام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بي ثم اعلم إن الأردبيلي (طاب ثراه) أفاد إن الكراهة في العبادات بالمعنى المشهور الأصول الذي هو أحد الأقسام الخمسة ولا بعد في قول الشارع لو فعلت هذه العبادة في وقت كذا أو مكان كذا على هذا الوجه فلا ثواب ولا عقاب ولو لم تفعل أكان أحب إلى ثم قال فإن قيل إن نوى الصوم فصار تشريعا حراما لأنه ليس بمشروع كما هو المفروض وإن يتو فلا يكون صوما مكروها قيل له يمكن اختيار الأخير وإن المراد بالصوم المكروه ليس كونه صوما شرعيا ومكروها بل بالشبهة كالحرام فإن الحرام ليس بصوم مشروع وحرام أو المراد بقصد الصوم والعبادة في الجملة لا مع تحقق جميع شرايطها أو يكون النهي عن مجرد التشبيه بالصائمين والعابدين وإن لم يكن من النية والشرايط المعتبرة في الصحة أقول هذه الاحتمالات الثلاثة مع كمال تقاربها في غاية الضعف إذ من المعلوم إن محل البحث حكم الصوم المصطلح الشرعي في السفر وأمر الشارع ونهيه أيضا رجع إليه ولا ريب في اعتبار النية المشتملة على قصد القرية وساير الشرايط فيه وكذا الكلام في الصوم الحرام واطلاق الصوم عليه أو اشتماله على النية لا يقتضى الصحة والشرعية وكراهة أصل الامساك في السفر مع أنها مما لا يقول به أحد ظاهرا خارجة عن محل البحث ثم قال (طاب ثراه) ويمكن اختيار الأول أيضا وعدم تسليم التشريع لجواز أن يكون جعل بعض الأشياء مما يتقرب به إلى الله مكروها بالمعنى الذي قلناه بنص من الشارع ولا محذور ولا يلزمه اعتقاد إنه صوم ورد الشرع به بل يكفي للفعل مع النية احتمال كونه مما يتقرب به وتجويز الشارع له واحتمال إرادته من نهيه الترخص فقط وقلة الثواب مثلا وعلى تقدير لزوم الاعتقاد والجزم في نية هذه العبادة مثلا للكراهة فنقول يلزم كون الاعتقاد حراما وتشريعا وأما الفعل على هذا الوجه الذي لم يظهر شرعيته لم يثبت كونه حراما وإنما البحث فيه لا في النية والاعتقاد كما أشير إليه في الذكرى في تقديم الاستنشاق على المضمضة بقصد الاستحباب من جواز كون القصد والجزم حراما دون الاستنشاق وأقول القول بجواز التعبد بالصوم في السفر وقصد التقرب إلى الله به بإذن الشرع وتجويزه مع خلوه عن الأجر والثواب رأسا بل مع اشتماله على نقص بحسن تركه على ما يظهر من أول كلام هذه المحقق مذهبهم إذ الظاهر أنهم يقولون بعدم جواز خلو العبادة المستقرب بها المأذون فيها شرعا عن الاجر إذ مع حصول القرب بها يحصل الاجر البتة ومع عدم حصوله لا يعقل تجويز الشارع للتقرب بها وما يظهر ثانيا من كلامه من أن حكم الشارع بالكراهة على الصوم في السفر يرجع إلى كراهة الصيام فيه باحتمال تجويز الشارع فعدم استقامته واضح إنه خروج عن محل البحث أيضا لان البحث ليس في حكم الصوم الناشي عن شبهه صحة أو احتمال تجويز من الشارع بل في أصل حكم الصوم المصطلح الشرعي في السفر وما ذكره أخيرا من الحكم بحرمة نية الصوم وكراهة أصله فغير صحيح إذ لا يعتبر حال الفعل شرعا بدون تخصيصه وتميزه بالنية والفعل المتميز بالنية المحرمة لابد وأن يتصف بالحرمة والحكم المصنف (ره) في الذكرى شئ آخر حاصلة إن اعتقاد شرعيته تقدم الاستنشاق على المضمضة لا عن شبهة محرم وذلك مما لا ريب فيه ومن المعلوم إن ذلك الاعتقاد ليس نية الفعل ولا ربط له بتميز الاستنشاق تخصيصه ثم حكم بأن الظاهر أن الاستنشاق المتقدم ليس بمحرم إذ ليس فيه إلا ترك استحباب الترتيب وليس ذلك من الحكم بحرمة النية وجواز أصل الفعل في شئ كما لا يخفى على المتأمل فتأمل ثم أن ما ذكره في المسالك لدفع الاشكال الثاني فلا يخلو عن شئ لان دليل السنة والاستحباب إنما يجوز التسامح فيه مع عدم دليل دال على خلافه وأما مع وجود الحديث الدال على الحرمة مثلا كما فيما نحن فيه فالعمل بالخبر الضعيف الدال على الاستحباب وحمل النهي الوارد في الخبر الصحيح على الكراهة لا يخلو عن إشكال والاحتجاج على الجواز بخبر من بلغه شئ ففي غاية الاشكال إذ لا يبعد دعوى ظهور لبلوغ المعتبر بحسب الشرع الحاصل بتبليغ العدل إذ قد ورد في الكتاب الكريم الامر بالثبت في خبر الفاسق وعلى تقدير تسليم العموم فلا ريب في تبادر أن المراد البلوغ الذي لا يعارضه خبر آخر دال على الاثم ونفى الخبر خصوصا إذا كان المعارض أصح وأقوى منه وعلى التقديرين لا ينفع الاحتجاج به فيما نحن فيه إلا ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة الظاهر وفاقهم على هذا الاستثناء ويدل أيضا عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت يوما الأربعاء وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي الباقر
(٣٧٣)