الأول إنه كيف يصح اطلاق المكروه على هذا الصيام لان العبادة إن كانت صحيحة يحصل بها التقرب ويستحق عليها الاجر البتة فلا بد من أن يتصف وجودها بالرجحان ولا يتصور رجحان عدمها حتى يتصف بالكراهة وإن كانت غير صحيحة شرعا فلا يجوز أن ينوي بها التقرب لو نوى بها يتصف بالخطر والتشريع لا محالة والعمل بغير نية ليس بعمل يتصف بحكم من الأحكام الشرعية والثاني إنه كيف يمكن العمل بهذين الخبرين الضعيفين في تجويز صيام النافلة في السفر مع تعارضهما للأخبار الصحيحة وإشارة إلى دفع الاشكال الأول بقوله إن المراد كونه أنقص ثوابا من الصوم في الحضر كنظائره من مكروه العبادة وحينئذ فلا ينافي أصل الاستحباب وقد ذكر هذا التحقيق في تمهيد القواعد وقبله المحقق الشيخ على (ره) أيضا وإلى دفع الاشكال الثاني بقوله الأخبار الصحيحة دالة على المنع من الصوم سفرا من غير تقييد بالواجب لكن ورد أخبار مرسلة بجواز المنذور بالمسافر وعمل بها أكثر الأصحاب حاملين للاخبار الأول على الكراهة للمندوب وجمعا بينهما وبين ما دل على الجواز وقد عرفت ما فيها إلا إن دلايل السنن يتسامح فيها ويمكن الاحتجاج للجواز بحديث من بلغة شئ من أعمال الخير وحينئذ فالقول بالكراهة لا بأس به وقد أوردوا على ما أفاده لدفع الاشكال الأول إيرادين الأول إن نقص الثواب وقلته يوجد في كثير من العبادات بالنسبة إلى الأخرى كالصلاة في البيت بالنسبة إلى المسجد الأعظم ولا يطلقون الكراهة عليهما أصلا والثاني إنه لو كان بمعنى نقص الثواب بدون رجحان للعدم فلا وجه لترك النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) تلك العبادات ونهيهم الناس عنها كما نقل عنهم (عليهم السلام) لان قلة الثواب لا يقتضي الترك ونهى الناس عنها خصوصا فيما لا بدل له إذ فيه تفويت ثواب بلا عوض أقول والحق إن العبادة الصحيحة الشرعية لا بد لها من جهة حسن لأجلها يستحق فاعلها الأجر والثواب ولا يعقل صحة العبادة وشرعيتها مع خلوها عن مطلق الاجر ومن البين إنه لا يمكن استحقاق الأجر والثواب على تركها أيضا من تلك الجهة نعم ربما يقارن العبادة صفة وخصوصية يكون عدمها راجحا على وجودها رجحانا يوجب ترتب الثواب على تركها من دون ترتب عقاب على الاتيان بها إذ مع ترتب العقاب لا يوصف العبارة المشخصة المخصوصة بتلك الخصوصية بالصحة والشرعية إلا على فرض الاحباط إن جوزناه وعلى هذا فيوصف تلك الخصوصية بالكراهة الاصلاحية ويمكن وصف هذه العبارة أيضا بالكراهة بهذه الاعتبار خصوصا إذا كان الثواب المترتب على ترك تلك الخصوصية أزيد من الثواب المترتب على نفس تلك العبادة ولا يستبعد العقل عن ذلك مثلا الصوم المندوب في السفر باعتبار اشتماله على محاسن الصيام وترك مشتهيات النفس وملاذها لوجه الله تعالى موجب للاجر والثواب ولكن السفر باعتبار الحركات الشاقة المتعبة التي يتفق فيه غالبا مع قلة النوم وتغير أكثر العادات يوجب كمال الضعف البدن والقوى وهنها وكلالها والصوم أيضا موجب لذلك الضعف والكلال ولا ريب في أن انتظام أمور السفر من القيام بالحركات اللازمة وحمل الأشياء الثقيلة والمحافظة على العبادات الواجبة المهمة ودفع المحاربين والقطاع والتحرز عن أذى الوحوش والسباع يستدعى مزيد قوة للبدن وانبساط للنفس فيحتمل أن يكون الصوم في السفر موجبا لفوات كثير من تلك المنافع الدينية والدنيوية وعلى هذا فمن صام فيه باعتبار الحسن المعلوم للصوم وعدم القطع والظن بترتب المفاسد المحتملة يتسحق عليه الأجر والثواب ومن ترك فيه الصوم للاحتياط في حفظ النفس والعرض والمال عن تطرق خلل في الحال أو المال فربما استحق أجرا أوفر وثوابا أزيد إنه من البين أن حسن مراعاة الاحتياط في أمثال تلك الأمور العظيمة أزيد بكثير في نظر العقل والشرع من حسن القيام بالصيام ولو صار فوت منفعة مهمة تلك المنافع بسبب الصوم متيقنا أو مظنونا بالظن الغلب لصار الصوم محظورا محرما ولكن مجرد الاحتمال لا يوجب ذلك كما إن مجرد احتمال المفسدة لا يوجب سقوط الواجب الشرعي وبالجملة فمثل هذا الصوم ثواب تركه على وجه مخصوص بنية مخصوصة أزيد من ثواب فعله على وجه خاص بقصد خاص فيمكن وصفه بالكراهة ويظهر الباعث على تركهم (عليهم السلام) له ونهيهم الناس عنه ويبعد حمل كلام المسالك على ما ذكرنا لأنه قال المراد كونه أنقص ثوابا من الصوم في الحضر ولو كان مراده ما ذكرناه لقال المراد كونه أنقص ثوابا من ترك الصوم على وجه وللمتكلف أن يجمل كلامه على إرادة إنه أنقص ثوابا من الصوم في الحضر باعتبار اشتماله على خصوصية ناقصة هي احتمال ترتب المفسدة لا باعتبار اشتمال الصوم في الحضر على مزية زايدة كالمزية التي للصلاة في المسجد بالنسبة إلى الصولة في البين فينبثق على ما ذكرناه ويندفع عنه لا يرادان ولكنه بعيد عن العبارة غاية البعد و يمكن أن يقال إن العبادات تختلف في الأحكام الشرعية بحسب المصالح المختلفة لها مثلا المصلحة التي في صوم شهر رمضان يقتضي أن يكون هذا الصوم واجبا حتما لا يرخص أحد في تركه إلا على أحد الوجوه المقررة بحسب الشريعة وأما صوم أول يوم من رجب فلا يصح أن يكون بعنوان الوجوب واللزوم بحسب أصل الأصل الشرع بل بعنوان تأكد الاستحباب وكمال الرغبة ولو صامه أحد بقصد الوجوب الشرعي لكان تشريعا حراما وصوم ساير الأيام التي لم يرد في صومها تأكيد من الشارع ينبغي أن يكون الاستحباب من دون تأكد واهتمام فربما كان اقتضاء المصلحة في بعض أفراد الصوم كالصوم في السفر أن يكون بعنوان الندرة والشذوذ لبعض آحاد الناس باعتبار إن رغبته أكثرهم فيه واهتمامهم به وخصوصا في أكثر الأيام يوجب تطرق المفاسد في كثر من الاسفار فذلك
(٣٧٢)