فلدليل ليس في غيره وهو ما ادعياه من الاجماع وأما عندهم فالقياس لا يجرى في غيره وهو ما ذكره سابقا من أنه نوى في زمان يصلح جنسه لنية الصوم لا يتخلل بينه وبين فعله زمان لا يصلح جنسه لصوم سواه فجاز ذلك كما لو نوى اليوم الأول من ليلته فيبقى الباقي على أصالته (وفيه قولان أجودهما التعدد) قال في البيان وفي شهر رمضان خلاف فذهب الأكثر إلى الاكتفاء بنية واحدة من أوله ونقل فيه المرتضى والشيخ الاجماع والأقرب وجوب تعددها وقال في اللمعة المشهور بين القدماء الاكتفاء بنية واحدة للشهر وادعى المرتضى فيه الاجماع وقال الشهيد الثاني (ره) في شرحه ووافقهم من المتأخرين المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف استنادا إلى أنه عبادة واحدة وكذلك قال في المسالك أيضا وما نسبه إلى المحقق في المعتبر فباعتبار أنه قال فيه بأولوية تجديد النية لكل يوم في ليلة وهذا يدل على اختياره الاجتزاء بالواحدة وأما ما نسبه إلى العلامة في المختلف فغير صحيح لأنه (ره) قال فيذهب الشيخان والمرتضى وسلار وأبو الصلاح إلى أن شهر رمضان تكفى فيه نية واحدة من أوليه والأقرب المنع ثم جرى على ذلك إلى آخر نقل الأدلة والأبحاث وكأنه طاب ثراه اعتمد على حفظه في هذا النقل ولم يتيسر له الرجوع إلى الكتاب ثم أن المفهوم من عباداتهم وأدلتهم انحصار قولهم في الاثنين الأول جواز الاكتفاء بالنية الواحدة في الشهر مطلقا والثاني عدم جواز الاكتفاء بها فيه مطلقا فما وقع في بعض القيود من الاجتزاء بالنية الواحدة لناسي النية الخاصة لليوم دون الذاكر أحداث قول ثالث كما صرح به في المسالك ومستند القول الأول أولا قياسات مأخوذة من العامة لا يعمل بها عندنا منها ما ذكرناه ومنها أن صوم الشهر عبادة واحدة حرمته حرمة واحدة يخرج منه بمعنى واحد هو الفطر فصار كصلاة واحدة ومنها أن حرمته حرمة واحدة فتؤثر فيه النية الواحدة كما أثرت في اليوم الواحد لما وقعت في ابتدائه وضعف هذه القياسات وإمكان بيان الفرق ظاهر جدا وثانيا وهو العمدة الاجماع الذي ادعاه المرتضى والشيخ وقال السيد في مسايل الرسية على ما نقله في المختلف يعنى النية الواحدة في ابتداء شهر رمضان عن تجديدها في كل ليلة وهو المذهب الصحيح الذي عليه إجماع الإمامية ولا خلاف بينهم ولا رووا خلافه وأجاب عنه في المختلف بمنع الاجماع وقال في المنتهى ولم يثبت عندنا ذلك وقال في المعتبر لا نعلم ما ادعياه من الاجماع وكان حاصل المنع وعدم التسليم في أمثال تلك المواضع يرجع أما إلى ظهور الخلاف بحيث لا يفيد نقل الواحد والاثنين الظن بالاجماع فلا بد حينئذ من تأويل في كلام الناقل خصوصا إذا علم من دأبه التسامح في ذلك كثيرا وأما إلى أن التتبع يفيد أن بناء نقل هذا الاجماع على عدم التصريح بالخلاف باعتبار عدم تعرضهم للحكم وذلك لا يفيد الظن بالوفاق لان من عدم التعرض للرد بسبب عدم التعرض للحكم لا يحصل الظن بالتسليم وإنما يتيسر ذلك لمثل العلامة والمحقق من المتتبعين لأقوال القدماء العارفين بتفاصيل فتاويهم واختلافاتهم العالمين بدأب الناقلين وطريقتهم واستنادهم في النقل وثالثا إشعار قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه بأنه عبادة واحدة فيكفي فيه نية واحدة وضعف إشعار قوله عز وجل بذلك واضح ومستند القول الثاني ما عرفت من أن صوم كل يوم عبادة منفردة لا يفسد بفساد ما قبله ولا بما بعده فيفتقر إلى نية متصلة به حقيقة أو حكما كغيره من العبادات ويؤيده ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل وقال خالي طاب ثراه واستدل على هذا القول بأن مقتضى الدليل وجوب المقارنة خرجنا عنه في القدر المتقين للنص والاجماع وبقى غيره على مقتضى الأصل قال وفيه تأمل لان إثبات وجوب المقارنة بحسب الدليل لا يخلو عن اشكال نعم لقائل أن يقول تحصيل العلم بالبراءة ومن التكليف الثابت يقتضى وجوب تجديد النية بناء على ما ذكرنا سابقا من عدم ثبوت كون النية شرطا خارجا وعدم ثبوت كون الصوم حقيقة شرعية في نفس الامساك من غير اعتبار استجماعه للشرايط المؤثرة في الصحة انتهى أقول ارتباط ما ذكره من الدليل بالمطلوب غير واضح لان بناء قول الخصم على أن صوم الشهر عبادة واحدة كما مر التصريح بذلك في كلامهم مراد أو لا ريب أن المقارنة أو ما في حكمها إنما يعتبر للجزء الأول من العبادة فيكفي بناء عارية وقوع النية في الليل الأول من الشهر فإنما يثبت المطلوب أعني وجوب تعدد النية بإثبات أن صوم كل يوم عبادة منفردة كما ذكرنا في الدليل وليس ذلك في كلامه (ره) أصلا لا في الدليل ولا في مقام الرد بل بناء كلامه على البحث عن وجوب المقارنة وعدمه وقوله إثبات وجوب المقارنة بحسب الدليل لا يخلو عن إشكال لا يخلو عن نظر لان إثبات وجوب المقارنة بحسب الدليل على وجه يدعونه وإن كان لا يخلو عن إشكال لكن لا ريب في النية السابقة بالأيام والليالي مع الذهول وقت الأداء بالكلية عنها في حكم العدم ولا فايدة لها أصلا في جعل هذا الفعل عبادة بل يحكم العقل بأن صدور هذا الفعل على سبيل الاتفاق أو لغرض آخر كان منظورا للفاعل وقت الفعل وباعثا على فاعليته ولا يعد ذلك امتثالا لأمر الامر وانقياد الحكمة كما لو يكن سبق تلك النية أيضا يشهد بذلك المتأمل مع سلامة الوجدان نعم يمكن القول بكفاية الالتفات الاجمالي إليها فلو كان غرض القايل بوجوب التجديد الالتفات التفصيلي لكان لهذا البحث وجه سديد وما ذكره من أن تحصيل العلم بالبراءة من التكليف الثابت يقتضى وجوب تجديد النية فمحل تأمل أما أولا ذكرناه سابقا من العلم بالبراءة إنما يعتبر مما علم التكليف به
(٣٥٣)