فإذا لم يكن للفعل الأوجه واحد بحسب أصل الشرع كالصوم في شهر رمضان حيث لا يقع فيه غير شرعا استغنى عن نية التعيين مثل رد الودايع وتسليم الأمانات وهذا يدل على عدم اعتبار نية الوجوب أيضا في شهر رمضان كما ذكرنا سابقا وكذا يدل على أنه لو عين سببا لا يقع الاعلى وجه الوجوب فلا يحتاج إلى نية ولعل المصنف (ره) لا يقول باعتبار الوجه في النية من جهة التميز بل لما يقوله المتكلمون من وجوب إيقاع الفعل لوجهه ولكن إثبات ذلك مشكل جدا وأيضا هذا الاحتجاج كما يدل على عدم اعتبار تعيين السبب في صوم شهر رمضان يدل على عدم اعتباره في النذر المعين وشبهه أيضا والفرق كما يفهم من المختلف إن التعيين في الأول بأصل الشرع لان هذا الزمان لا يصلح شرعا إلا لهذا الصوم بخلاف الثاني لان التعين فيه لعارض من قبل الناذر وكان الزمان في نفسه بحسب أصل الشرع صالحا لغيره فيفتقر إلى التعيين بحسب النية كالنذر المطلق فغير نافع أصلا لان التميز الواقعي إن كان يعنى عن التعيين بحسب النية لعدم الحاجة إلى المميز فيهما وإلا فلا ولا دليل بحسب الشرع يدل على اعتبار التعيين بأصل الشرع وعدم اعتباره بسبب العارض وهو ظاهر والقياس على النذر للمطلق قياس مع الفارق لعدم تعيين الزمان فيه له أصلا واحتج المحقق ره في المعتبر ثانيا على الحكم المذكور وبقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه فإذا حصل مع نية التقرب فقد حصل الامتثال فكان ما زاد منفيا واعترض عليه بأن امتثال الامر فرع تعقل المأمور إن الامر أمره بذلك الفعل فإذا لم يعتقد أن الصوم غدا مما أمر الشارع بالاتيان به فيه لم يكن تمثلا للتكليف بالصوم غدا وإن اعتقد ذلك فقد لزم تعيين السبب إذا لا نعنى بقولنا لزمه أن ينوى إن صايم غدا صوم شهر رمضان إلا ألزم التعرض في النية لأنه الصوم الذي أمره الشارع في هذا الزمان الخالص بل نقول إن لم يعتقد المأمور أنه من أيام الشهر الذي أمر الشارع بصيامه لم يكن متمثلا لهذا التكليف وإن اعتقد ذلك فقد ثبت ما قلناه والجواب إن المكلف إذا فهم التكليف واستشعر الخصوصيات ولكن كان وقت الاتيان بالفعل ذاهلا عن هذا الخصوصيات على سبيل التفصيل وعلم إجمالا إن هذا الفعل مطابق لمطلوب الشارع وإن اتيانه به وسيلة للتقرب إليه فلا ريب في أنه بعد إتيانه به على هذا الوجه تمثل لامره مطيع لحكمه خارج عن عهدة تكليفه مع عدم تعيين السبب في النية كيف لا وهو حينئذ غير متذكر لشئ من الخصوصيات وإن كان بحيث يمكنه التذكر إذا التفت إليها وتصدى لاحضارها بل ويمكن أن يكون متمثلا وإن لم يتسير له التذكر للخصوصية مع رجوعه إلى وجدانه والتفاته إلى الخصوصيات أيضا مثل أن لا يكون في ذكره إلا طلب الشارع لصوم لم يقيد بغير هذا اليوم فلو صام ذلك اليوم بقصد القربة كان متمثلا وإن كان الاطلاق أو التقيد باليوم على سبيل الانفراد أو في ضمن الشهر أو الأسبوع يكون له مشكوكا فإن أردتم بالتعيين هذا الالتفات الاجمالي إلى الامر المشتمل على السبب فلا تنازع معكم ويلزمكم الخروج وعن محل النزاع وإن أردتم شيئا أزيد منه فلا يثبت بما ذكرتم وأفاد خالي طاب ثراه إن إتمام هذا الاحتجاج يتوقف على إثبات إن النية خارجة عن حقيقة الصوم شرطا لها وإن الصوم حقيقة شرعية في مهية الامساك المغير مطلقا من غير اعتبار استجماع شرايط الصحة في معناه الحقيقي حتى إذا انتقى بعض شرايط الصحة صدق الصوم حقيقة إذ حينئذ نقول من أراد إثبات أمر زايد على القدر المسلم يحتاج إلى دليل لان إثبات الشرط يقتضى تقييد المطلق وهو متقدر بقدر الضرورة واقتضاء الدليل وأما على التقديرين الآخرين كان تحصيل العلم بالبراءة من التكليف الثابت يقتضى الاتيان بالفرد الذي يثبت كونه فردا للمأمور به فردا يحصل به الأمثال وهو إنما يحصل بالاتيان بالفرد الذي وقع الاتفاق على أجزائه أو دل الدليل عليه وحيث كان إثبات الامرين المذكورين لا يخلو عن عسر كانت البراءة اليقينية من التكليف الثابت يقتضى اعتبار قصد التعيين لكن عند انتفائه لا يلزم الحكم بوجوب القضاء لان القضاء بتكليف جديد منوط بفوات الفعل أداء ولم يثبت في موضع البحث انتهى كلامه وأقول خلاصة احتجاج المحقق (ره) ليس إلا أن الشارع أمرنا بصوم شهر رمضان بقوله عن من قايل فمن شهد منكم الشهر فليصمه ولا يفهم من الصوم بعد تتبع عرف أهل الشرع وقاطبة المسلمين أزيد من هذا الامساك المخصوص فإذا حصل مقرونا بنية التقرب المعلوم اعتبارها في العبادة فقد حصل الامتثال ومن ادعى لزوم شئ زايد على ذلك فعليه البيان لان الأصل براءة الذمة حتى يثبت اشتغالها فالايراد عليه بأن عليك إثبات عدم اعتبار كذا وكذا كما يرجع إليه كلامه ليس إلا كإلزام المنكر بإقامة البينة على براءة ذمته من حق المدعى وذلك من الغرايب وإن أراد (ره) تحصيل العلم بالبراءة تحصيل العلم بالاتيان بفرد كان مستجمعا لجميع الشرايط التي اعتبرها الشارع في الواقع فعلى التقدير الأول أيضا لا يحصل هذا العلم إلا مع العلم بحصر الشرايط بالنص والاجماع الحكم الثاني أنه يعتبر في النذر المعين وشبهه من العهد واليمين المعنين تعيين السبب وهذا قول الشيخ (ره) في المبسوط والجمل والخلاف واستقر به العلامة في المختلف ورأى السيد وابن إدريس في ذلك عدم الافتقار إلى التعيين وقواه في المنتهى حجة القول لثاني ما ذكرناه أولا في عدم الافتقار إلى التعيين في صوم شهر رمضان بانضمام عدم الفرق بين التعيين بأصل الشرع وبالعارض كما ذكرنا وحجة القول الأول أولا ما ذكرناه في مقام بيان الفرق وقد عرفت ضعفه وثانيا إن الأصل وجوب التعيين إذا الافعال إنما يقع على الوجوه المقصورة ترك ذلك في شهر رمضان لأنه
(٣٥١)