يكون فيما يقابل ويحاذي، ومن ضرورة المحاذي أن يكون أكبر من المحاذي أو أصغر أو مثله، وإن هذا ومثله إنما يكون في الأجسام، وكل ما يحاذي الأجسام يجوز أن يمسها، وما جاز عليه مماسة الأجسام ومباينتها فهو حادث، إذ قد ثبت أن الدليل على حدوث الجواهر قبولها للمباينة والمماسة. فإذا أجازوا هذا عليه، قالوا بجواز حدوثه، وإن منعوا جواز هذا عليه، لم يبق لنا طريق لإثبات حدوث الجواهر، ومتى قدرناه مستغنيا عن المحل والحيز ومحتاجا إلى الحيز، ثم قلنا، إما أن يكونا متجاورين أو متباينين، كان ذلك محالا.
فإن التجاور والتباين من لوازم التحيز في المتحيزات، وقد ثبت أن الاجتماع والافتراق من لوازم المتحيز، والحق سبحانه وتعالى لا يوصف بالتحيز، لأنه إن كان متحيزا لم يخل إما أن يكون ساكنا في حيزه، أو متحركا عنه، ولا يجوز أن يوصف بحركة ولا سكون، ولا اجتماع ولا افتراق، وما جاور أو باين فقد تناهى ذاتا، والمتناهي إذا خص بمقدار، استدعى مخصصا، وكذا ينبغي أن يقال، ليس بداخل في العالم وليس بخارج منه، لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات وهما كالحركة والسكون وسائر الأعراض التي تختص بالأجرام. وأما قولهم: خلق الأماكن لا في ذاته، فثبت انفصاله عنها.
قلنا: ذاته تعالى لا تقبل أن يخلق فيها شئ، ولا أن يحل فيها شئ، والفصل من حيث الحس يوجب عليه ما يوجب على الجواهر، ومعنى الحيز أن الذي يختص به يمنع مثله أن يوجد، وكلام هؤلاء كله مبني على الحس، وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط حتى قال بعضهم:
إنما ذكر الاستواء على العرش لأنه أقرب الموجودات إليه!!