قد ثبت عن مالك رحمه الله انه كان يحكم بصحة الرواية لأحاديث الإجازة فأما الذي حكيناه عنه آنفا فإنما قاله على وجه الكراهة ان يجيز العلم لمن ليس من أهله ولا خدمه وعانى التعب فيه فكان يقول إذا امتنع من إعطاء الإجازة لمن هذه صفته يحب أحدهم أن يدعى قسا ولم يخدم الكنيسة فضرب ذلك مثلا يعني ان الرجل يحب أن يكون فقيه بلده ومحدث مصره من غير أن يقاسي عناء الطلب ومشقة الرحلة اتكالا على الإجازة كمن أحب من رذال النصارى ان يكون قسا ومرتبته لا ينالها الواحد منهم الا بعد استدراج طويل وتعب شديد وكان مالك رحمه الله يشترط في الإجازة أن يكون فرع الطالب معارضا بأصل الرواي حتى كأنه هو وأن يكون المجيز عالما بما يجيز به معروفا بذلك ثقة في دينه وروايته وأن يكون المستجيز من أهل العلم وعليه سمته حتى لا يوضع العلم الا عند أهله أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي قال سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم يقول سمعت الربيع بن سليمان يقول فاتني من البيوع من كتاب الشافعي ثلاث ورقات فقلت له أجزها لي فقال لي ما قرئ علي كما قرئ علي ورددها غير مرة حتى اذن الله في جلوسه فجلس فقرئ عليه وهذا الفعل من الشافعي محمول على الكراهة للاتكال على الإجازة بدلا من السماع لأنه قد حفظ عنه الإجازة لبعض أصحابه ما لم يسمعه من كتبه وسنذكر الخبر بذلك في موضعه فأما اعتلال من لم يقبل أحاديث الإجازة بأنها تجري مجرى المراسيل والرواية عن المجاهيل فغير صحيح لأنه يعرف المجيز بعينه وأمانته وعدالته فكيف يكون بمنزلة من لا يعرفه وهذا واضح لا شبهة فيه
(٣٥٤)