غير أن قوما قالوا خالصة لك أي بلا مهر وجعلوا الهبة نكاحا لغيره يوجب المهر وقال آخرون خالصة لك أي أن الهبة تكون لك نكاحا ولا تكون نكاحا لغيرك فلما كانت المرأة المذكور أمرها في حديث سهل منكوحة بهبتها نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم على ما ذكرنا ثبت أن ذلك النكاح خاص كما قال الذين ذهبوا إلى ذلك فإن قال قائل فقد يجوز أن يكون مع ما ذكرنا في الحديث سؤال من النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم لها أن يزوجه منه وإن كان ذلك لم ينقل إلينا في ذلك الحديث قيل له وكذلك يحتمل أيضا أيكون النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم قد جعل لها مهرا غير السورة وإن كان ذلك لم ينقل إلينا في الحديث فإن حملت الحديث على ظاهره على ما تذهب إليه أنت لزمك ما ذكرنا من أن ذلك النكاح كان بالهبة التي وصفنا وإن حملت ذلك على التأويل على ما وصفت فلغيرك أن يحمله أيضا من التأويل على ما ذكرنا ثم لا تكون أنت بتأويلك أولى منه بتأويله فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار وأما وجهه من طريق النظر فإنا قد رأينا النكاح إذا وقع على مهر مجهول لم يثبت المهر ورد حكم المرأة إلى حكم من لم يسم لها مهرا فاحتيج إلى أن يكون المهر معلوما كما تكون الأثمان في البياعات معلومة وكما تكون الأجرة في الإجارات معلومة وكان الأصل المجتمع عليه أن رجلا لو أستأجر رجلا على أن يعلمه سورة من القرآن سماها بدرهم لا يجوز وكذلك لو أستأجره على أن يعلمه شعرا بعينه بدرهم كان ذلك غير جائز أيضا لان الإجارات لا تجوز إلا على أحد معنيين إما على عمل بعينه مثل غسل ثوب بعينه أو على خياطته أو على وقت معلوم لا بد فيها من أن يكون الوقت معلوما أو العمل معلوما وكان إذا استأجره على تعليم سورة فتلك إجارة لا على وقت معلوم ولا على عمل معلوم إنما استأجره على أن يعلمه ذلك وقد يتعلم بقليل التعليم وبكثيره وفي قليل الأوقات وكثيرها وكذلك لو باعه داره على أن يعلمه سورة من القرآن لم يجز ذلك للمعاني التي ذكرناها في الإجارات فلما كان ذلك كذلك في الإجارات والبياعات وقد وصفنا أن المهر لا يجوز على أموال ولا على منافع
(١٩)