للجواز، وأما من زعم النسخ أو الضعف فقد غلط غلطا فاحشا. وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بينهما لو ثبت التاريخ، وأنى له بذلك وإلى القول بالضعف مع صحة الكل.
قلت: وكذلك سلك آخرون في الجمع بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، وأحاديث الجواز على بيانه، وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين.
قال الحافظ: وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض.
وقال الحافظ ابن القيم في حاشية السنن وقد خرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما.
وفيه أيضا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يشربن أحد منكم قائما فمن نسي فليستقئ)).
وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: ((سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم)).
وفي لفظ آخر ((فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير)).
فاختلف في هذه الأحاديث فقوم سلكوا بها مسلك النسخ وقالوا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرب قائما كما شرب في حجة الوداع، وقال طائفة في ثبوت النسخ بذلك نظر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعله شرب قائما لعذر، وقد حلف عكرمة أنه كان حينئذ راكبا. وحديث على قصة عين فلا عموم لها.
وقد روى الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي عمر عن جدته كبشة قالت: ((دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت قربة معلقة فشرب قائما فقمت إلى فيها فقطعته)) وقال الترمذي حديث صحيح، وأخرجه ابن ماجة وروى أحمد في مسنده عن أم سليم قالت: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت قربة معلقة فشرب منها وهو قائم فقطعت فاها فإنه لعندي)) فدلت هذه الوقائع على أن الشرب منها قائما كان لحاجة لكونه القربة معلقة، وكذلك شربه من زمزم أيضا لعله لم يتمكن من القعود لضيق الموضع أو الزحام وغيرها. والجملة فالنسخ لا يثبت بمثل ذلك.
وأما حديث ابن عمر ((كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نأكل ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام)) رواه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه، فلا يدل على النسخ إلا بعد ثلاثة أمور مقاومة لأحاديث النهي في الصحة وبلوغ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وتأخره عن أحاديث النهي،