وبعد ذلك فهو حكاية فعل لا عموم لها، فإثبات النسخ في هذا عسر انتهى كلامه.
وقال في زاد المعاد: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الشرب قاعدا. هذا كان هديه المعتاد. وصح عنه أنه نهى عن الشرب قائما. وصح عنه أنه أمر الذي شرب قائما إن يستقئ، وصح عنه أنه شرب قائما.
قالت طائفة: هذا ناسخ للنهي، وقالت طائفة: بل مبين أن النهي ليس للتحريم بل للإرشاد وترك الأولى.
وقالت طائفة: لا تعارض بينهما أصلا، فإنه إنما شرب قائما للحاجة، فإنه جاء إلى زمزم وهم يسقون منها فاستقى فناولوه الدلو فشرب وهو قائم، وهذا كان موضع حاجة.
وللشرب قائما آفات عديدة، منها أنه لا يحصل له الري التام، ولا يستقر في المعدة حتى يقسمه الكبد على الأعضاء وينزل بسرعة وحدة إلى المعدة فيخشى منه أن يبرد حرارتها ويشوشها ويسرع النفوذ إلى أسفل البدن بغير تدريج، وكل هذا يضر بالشارب، وأما إذا فعله نادرا أو لحاجة لم يضره انتهى.
وأخرج مالك في الموطأ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان كانوا يشربون قياما.
مالك عن ابن شهاب أن عائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص كانا لا يريان بشرب الانسان وهو قائم بأسا.
مالك عن أبي جعفر القاري أنه قال رأيت عبد الله بن عمر يشرب قائما. مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان يشرب قائما انتهى.
قال المنذري: وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة بنحوه.
(عن النزال) بفتح النون وتشديد الزاي (ابن سبرة) بفتح المهملة وسكون الموحدة (وهو قائم) جملة حالية أي في حالة القيام (أن يفعل هذا) أي شرب الماء قائما (مثل ما رأيتموني فعلت) أي من الشرب قائما.